2/ النظرية النيوكلاسيكية في التجارة الدولية

تطرقت النظرية الكلاسيكية ( نظرية المزايا النسبية) لفوائد تقسيم العمل بين أطراف التبادل الدولي، انطلاقا من مبدأ التخصص حسب تكاليف الانتاج. لكنها لم توضح أسباب الاختلاف في هذه التكاليف بين الدول. فجاءت النظرية النيوكلاسيكية لتشرح ذلك.

نظرية التوافر النسبي لعوامل الانتاج ( نموذج هيكشر/أولين )

أعطى المفكران الاقتصاديان السويديان إيلي هيكشر و بارتل أولين (Eli Heckscher/Bertil Ohlin) تفسيرا للاختلاف في التكاليف النسبية بين الدول، والذي يعود إلى الاختلاف في انتاجية الدول التي تتحكم فيها عوامل الانتاج السلعة ( رأس المال، الأرض (مواد أولية)، واليد العاملة ). أي أن الاختلاف في التكاليف النسبية يعود إلى الاختلاف في حجم توافر إحدى هذه العوامل الثلاثة.

حسب النظرية، الاختلاف في التكاليف النسبية يعود إلى اختلاف الدول من حيث تمتعها بالوفرة أو الندرة لأحد عوامل الانتاج دون غيره. هذا الاختلاف يؤثر على تكاليف الانتاج من دولة إلى أخرى. بالتالي من مصلحة كل دولة انتاج السلعة التي تحتاج إلى كثافة من عامل الانتاج المتوافر لديها، وتستورد السلع التي يتطلب انتاجها كمية كبيرة من عوامل الانتاج الغير متوافرة.

ما معنى ذلك؟. من الناحية الانتاجية تختلف السلع في مدى حاجاتها إلى أحد عوامل الانتاج أكثر من غيره. مثلا السلع الزراعية تحتاج إلى توافر عامل الأرض أكثر من رأسمال واليد العاملة. أما المنتجات التكنولوجية فتحتاج إلى قدر كبير من رأس المال مقارنة بالأرض (المادة الأولية) واليد العاملة. والسلع التقليدية مثل المنسوجات تحتاج إلى كميات وفيرة من اليد العاملة أكثر من الأرض ورأس المال.

وبالتالي تدعو نظرية هكشر-أولين إلى ضرورة أن تتخصص الدول في انتاج السلع التي تحتاج العوامل ذات الوفرة النسبية لديها. وتستورد السلع الأخرى. بعبارة أخرى، التجارة الدولية حسب هذه النظرية هي تبادل غير مباشر لعوامل الانتاج المتوافرة، مقابل عوامل الانتاج النادرة. فمثلا عندما تصدر اليابان الهواتف الذكية إلى استراليا، وتصدر استراليا القمح إلى اليابان، معنى ذلك أن الأرض الاسترالية يتم مبادلتها بطريقة غير مباشرة برأس المال الياباني.

مثال 2: نفترض ثلاث دول وثلاث سلع.

-       الولايات المتحدة الأمريكية:  تتوفر على عامل رأس المال بكثرة.

-       البرازيل: تتوفر على عامل الأرض بكثرة.

-       تركيا: تتوفر على عامل اليد العاملة بكثرة.

-       منتجات الكترونية: تحتاج وفرة في عامل رأس المال.

-       بن (قهوة): يحتاج وفرة في عامل الأرض.

-       النسيج: يحتاج وفرة في عامل الأرض.

ومنه من مصلحة الو م أ التخصص في انتاج السلع الالكترونية وتستورد البن والنسيج من البرازيل وتركيا. والبرازيل تتخصص في انتاج البن وتستورد السلعتين الأخريين. ونفس الشيء بالنسبة لتركيا تتخصص في النسيج.

نقد فكرة التخصص والتبادل الدولي

رأينا في النظريتين الرأسماليتين (الكلاسيكية والنيوكلاسيكية) أهمية التخصص وتقسيم العمل وفوائدهما على الدول التي تدخل في التجارة الدولية. غير أن هناك تصورات ( نيو ماركسية ) ترى في هذه النظريات مجرد أفكار تخدم الدول الرأسمالية المتقدمة فقط دون غيرها. والتي تتمتع بوفرة في رؤوس الأموال، وتحتكر الصناعات التكنولوجية المتطورة على عكس الدول الأقل نموا التي بإمكانها التخصص فقط في المنتجات الأولية ( الزراعية أو الاستخراجية ) أو بعض الصناعات التقليدية. وبالتالي فإن عملية التخصص والتبادل الدولي هي في جوهرها علاقات تبادل لا متكافئة.

التخصص الدولي والتبادل اللامتكافئ

ترى هذه النظرية أن التبادل الدولي، يعبر عن استنزاف لموارد الدول النامية، وتحويل لفوائض القيمة من الأطراف ( دول العالم الثالث ) إلى المراكز ( الصناعية الرأسمالية ) هذه الأخيرة التي تعتمد في صادراتها على السلع الصناعية التي تتضمن نسبا عالية من القيمة المضافة ( هامش الربح ). يضاف إلى ذلك التبدل المستمر في الأسعار لصالح السلع التكنولوجية والصناعية.

مثال1: الدول المنتجة للمطاط كانت سنة 1960 تحصل على 6 جرارات زراعية مقابل 25 طن من المطاط، أصبحت سنة 1978 لا تستطيع الحصول إلا على جرارين بنفس الانتاج. وعليه حدث هناك انخفاض تدريجي للقدرة الشرائية لدول العالم الثالث المتخصصة في المواد الأولية مصحوبا بتحول فوائض القيمة لصالح الدول الصناعية.

مثال2: الساعة السويسرية يحتاج الحصول عليها إلى 14.2 كغ من البن، واذا كان الوقت اللازم لصنع هذه الساعة يقدر فقط بــ 3 ساعات عمل، فإن إنتاج 14.2 كغ من البن يحتاج إلى 21 ساعة عمل. وعليه يحدث تبادل غير متكافئ يتم بمقتضاه تحويل فائض القيمة المتمثل في عدد ساعات العمل (21-3) لصالح الدول الصناعية ( سويسرا).

من المثالين السابقين يوضح أصحاب هذا الاتجاه ( النيوماركسيون) أن شروط التبادل الدولي تتغير دائما في صالح الدول الرأسمالية، ولا تخدم – عكس ما تدعيه النظريات الكلاسيكية – جميع الأطراف.


Last modified: Saturday, 1 June 2024, 5:26 PM