نشأة الإرشاد النفسًي (تابع)
إن عملية الإرشاد النفسي لم تكن جديدة بل هي قديمة قدم العلاقات الإنسانية, وقد اعتاد الفرد منا أن يبوح ويكشف بما يشعر به من مشكلات شخصية او نفسية للفرد القريب منه, سواء كان احد أفراد أسرته أو صديقه, للحصول على دعم عاطفي ومشاركة وجدانية, او إسهاما لتقديم الحلول الملائمة لمشكلاته, ولكن يشير معظم الباحثين إلى إن بداية الإرشاد النفسي تعود إلى زمن العالم الألماني فونت Font, 1879)) عندما قام بإنشاء أول مختبر تجريبي لعلم النفس, إلا إن مصطلح الإرشاد النفسي Counseling Psychology)) لم يستخدم ولم يرد ذكره في الكتب العلمية إلا في عام (1931) حيث كان يسمى قبل ذلك بالتوجيه المهني (Vocational Guidance
ولقد ذكر حسین مراحل تطور الإرشاد النفسي كالتالي:
1-مرحلة التركیز على التوجیه المھني:
حیث بدأ الإرشاد بالتوجیه المھني الذي یھدف إلى مساعدة الفرد على اختیار المھنة التي تتلاءم مع ما لدیه من إمكانات وقدرات واستعدادات فضلا عن التغلب على المشكلات المھنیة التي تواجھه في مجال العمل أو المھنة. ولقد كان ظھور كتاب ید جون ھورت ( (Huart,J تحت عنوان ( اختبار العقل في القرن السادس عشر ) أول محاولة لمناقشة ما یعرف الآن بالتوجیه المھني وكذلك كتاب فرانك باسونز (1980 , Persons. F (تحت عنوان ( اختیار المھنة) ویعتبر بارسونز الأب الروحي للإرشاد المھني، حیث اھتم بما یعانیه الأفراد من اضطراب وإحباط لما یواجھھم في اختیار المھن التي تلائم استعداداتھم وقدراتھم .ثم أنشأ بارسونز مكتب
في مدینة بوسطن بأمریكا ( 1908) بھدف مساعدة الأفراد على اختیار المھن التي تلائم مھنی ما لدیھم من قدرات واستعدادات وإمكانات .وفي عام ( 1910) عقد أول مؤتمر للتوجیه المھني، وأصدرت أول مجلة للتوجیه المھني ثم تلا ذلك انتشار حركة التوجیه المھني في أمریكا، وعلیة فقد أصبح التوجیه والإرشاد یھتم بجمع المعلومات عن الفرد والمھنة من خلال استخدام المقاییس والاختبارات والمقابلات الشخصیة .
2-مرحلة التركیز على التوجیه التربوي:
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرین ذادت مشاكل التأخر الدراسي والضعف العقلي مما حظي بانتباه علماء النفس وجعلھم یتوافدون على دراستھا، ففي فرنسا أنشأ ألفرد بینیه ( 1905 ( أول اختبار ذكاء في العالم، وتمت محاولات لدراسة التأخر الدراسي والضعف العقلي، وبدا بعض الجھد في تعلیم وتوجیه وإرشاد ھاتین الفئتین من الأفراد .ظھرت ھذه المرحلة كامتداد للتوجیه المھني حیث وجھت الخدمات الإرشادیة إلى مجال التوجیه التربوي والذي یھدف إلى مساعدة الطلاب على اختیار نوع التعلیم الذي یتسق مع ما لدیھم من قدرات واستعدادات وإمكانات وكذلك مساعدتھم في التغلب على المشكلات التربویة التي تواجھھم في المجال المدرسي. ویعتبر كیلي(1941 Truman.K (أول من وصف التوجیه التربوي في رسالته للدكتوراه بأنه نشاط تربوي یھدف إلى مساعدة التلامیذ على اختیار المقررات الدراسیة وعلى التكیف مع المشكلات الدراسیة ، وتصنیف التلامیذ في المدارس في ضوء قدراتھم واستعداداتھم .
و قام فرانك بارسونز بتأسيس أول مكتب للتوجيه المهني في ولاية بوتسن الامريكية ، والف كتابا بعنوان (اختيار المهنة) مما اعطى ذلك دفعة قوية الى ظهور الارشاد النفسي في عالم الواقع العملي . بعد ذلك انتقلت خدمات التوجيه والارشاد المهني الى مجالات التربية والتعليم على يد المختص “جيسي دافيز” ، وذلك من اجل توجيه الطلبة نحو التخصصات الدراسية والمهنية التي تلائم قدراتهم العقلية وميولهم المهنية ، إذ ان بعض الطلبة يميلون نحو دراسة الطب والبعض الاخر نحو الهندسة او علم الاجتماع .
3-مرحلة التركیز على حركة القیاس النفسي:
فمن العوامل التي ساعدت على نمو وتطور الإرشاد النفسي ھو تطور حركة القیاس النفسي .ومن العوامل التي أدت إلى نشأة القیاس النفسي ھي الحاجة إلى وجود وسیلة للكشف عن ضعاف العقول في القرن التاسع عشر، ولقد شھد ھذا القرن اھتما ًما واض ًحا بالمتخلفین عقلی وفي ففي الثلاثینیات بدأت تظھر اختبارات ومقاییس عدیدة وزادت حركة القیاس النفسي ا،نشاط
الأربعینات ظھرت اختبارات ومقاییس خاصة للإرشاد النفسي .وكان ( سترونج ) من أوائل الذین أسھموا في ھذا المجال، فأنشأ في عام ( 1943) اختبار المیول المھنیة للرجال والنساء .وبعد الحرب العالمیة الأولى ظھر العدید من الاختبارات والمقاییس وتأسست مؤسسات للاختبارات والمقاییس لإنشاء وإعداد اختبارات ومقاییس الذكاء والتحصیل والمیول والتوافق، وإعداد الأجھزة والاختبارات العملیة وفي عام ( 1950 ) أعد( بینیه) أول مقیاس لقیاس الذكاء ثم اتسع مجال القیاس بعد ذلك في دراسة الذكاء والقدرات العقلیة حیث ظھرت اختبارات الذكاء الجماعیة بسبب الحرب العالمیة الأولى.
فضلا عن ذلك ساعدت حركة الاختبارات والمقاييس في تطوير الارشاد النفسي ، إذ اعتمد المختصون والمرشدون على الاختبارات النفسية في كشف مشكلات الافراد والتلاميذ والموظفين في بيئة العمل ، كذلك ان هذه الاختبارات ساعد المرشدين على تحديد الشخص المناسب في العمل المناسب.
4-مرحلة التركیز على التوافق والصحة النفسیة:
حیث تمیزت ھذه المرحلة بدراسة الجوانب المرضیة في سلوك الفرد، والاھتمام بالمرضى النفسیین والاھتمام بمشكلات التوافق النفسي، حیث بدأت ھذه المفاھیم من مصحات الإمراض النفسیة واقترنت بالدعوى على الوقایة من الأمراض النفسیة والعنایة بالصحة النفسیة، حیث شغلت الأمراض النفسیة والعقلیة اھتمام الناس، كما كان لنظریة التحلیل النفسي على ید ( فروید ) في تفسیر الأمراض النفسیة أثر ھام في الإرشاد النفسي، وفي مجال التربیة والمدرسة ظھرت مشكلات سوء التوافق بین التلامیذ والمحافظة على صحتھم النفسیة، وھكذا أصبحت مھمة الإرشاد مساعدة الناس على التوافق مع البیئة أو المجتمع، ثم تأثرت ھذه المرحلة
بمدارس علم النفس المختلفة.ثم أنشا (ویتمر Witmer(عام 1968 أول عیادة نفسیة في جامعة بنسلفانیا بأمریكا وبدأت
بعلاج حالات التأخر الدراسي والضعف العقلي، وكذلك التوجیھ المھني ثم زاد عدد العیادات النفسیة، والتي كانت تھتم بعلاج مشكلات سوء التوافق في كل من المدرسة والأسرة .
5-مرحلة علم النفس الإرشادي:
لقد حدث تطور في بدایة الثلاثینیات من ھذا القرن، وقد تأثر التطور بحركة الصحة النفسیة ومدارس علم النفس المختلفة، وعلیھ یمكن أخذ الإرشاد یركز في الثلاثینیات على المشكلات الشخصیة للفرد، ویضاف إلى ذلك جھود (كارل روجرز) في الشخصیة والإرشاد والعلاج "عام 1942 كما وضع نظریتھ في الإرشاد النفسي حیث وضع كتاب " الإرشاد والعلاج النفسي
المتمركز حول الشخص التي مازالت تستخدم حتى الآن، ثم شھدت فترة الخمسینیات بدایة میلاد علم جدید وھو الإرشاد النفسي .
وفي عام ( 1951 ( ظھر مصطلح علم النفس الإرشادي والمرشد النفسي في المؤتمر الذي عقدتھ لجنة متخصصة في مینسوتا قبیل انعقاد المؤتمر السنوي للرابطة الأمریكیة، وقد تبع ذلك إنشاء قسم الإرشاد النفسي في الجمعیة النفسیة الأمریكیة ومن ثم البریطانیة .وفي عام ( 1945 (صدرت مجلة الإرشاد النفسي ثم دخل موضوع الإرشاد النفسي ضمن مقررات علم النفس في الجامعات.
6-مرحلة التركیز على النمو النفسي:
ومن العوامل التي ساھمت في تطور الإرشاد النفسي علم نفس النمو حیث تم الاھتمام " ستانلي ھول "،فیھ بدراسة الأطفال ونموھم ومشكلاتھم النفسیة، ویرجع الفضل في ذلك إلى وتلا ذلك الاھتمام بخصائص الطفل النفسیة والاجتماعیة والمعرفیة مع ظھور العدید من النظریات التي تفسر مراحل نمو الطفل المختلفة نحو نظریة فورید وأریكسون ونظریة ھافجھرست .وقد نرى أن الإرشاد النفسي قد نشأ نتیجة لالتقاء عدة تیارات مختلفة مثل التوجیھ المھني والتربوي والصحة النفسیة وغیرھا، وقد تطور وأصبح الآن یقوم بھ أخصائیون متخصصون وانتشرت مراكز التوجیھ والإرشاد في مختلف البلدان والمؤسسات
وبما ان الارشاد النفسي يهدف الى اكتشاف مشكلات الافراد وسماتهم النفسية فأن هذه الوظيفة اصبحت مناسبة جدا للعاملين في المجال المرضي ، إذ اهتم المختصين بتوظيف مبادئ الارشاد وخدماته في تحديد وارشاد اضطرابات السلوك لدى الاطفال والمراهقين مثل الكذب والسرقة وصعوبات التعلم ، فضلا عن ذلك ساعدت نظرية فرويد في التحليل النفسي (التي فسرت ظهور الاضطرابات النفسية بضعف انا الافراد في التوافق النفسي مع البيئة الخارجية) ونظرية روجرز (التي ترى ان مشكلات الافراد ترجع الى الكيفية التي يقيمون بها ذاتهم مثل انهم فاشلين) في كتابه (الارشاد والعلاج النفسي) على فهم شخصية المسترشد ووضع طرائق خاصة لفهم ذاته وسلوكياته المضطربة وكيفية علاجها.