تشكل النظرية السلوكية أحد الأساليب الإرشادية التي تستخدم مبادئ ونظريات التعلم التي تم إثباتها تجريبياً في علاج المشكلات السلوكية والإضطرابات النفسيه بطريقه موضوعيه وسريعه وفق أساليب خاصه بهذه النظرية. تعود جذور النظرية السلوكية إلى العالم الفسيولوجي الروسي إيفان بافلوف(Ivan Pavlov) صاحب نظرية الإشراط الكلاسيكي من خلال تجاربه على الكلاب. كما يرتبط اسم هذه النظرية باسم كل من العلماء: واطسن، سكنر، ثورندايك، جون دولارد، نيل وميللر، روتر، وبندورا ووالتر...، فقد حاول هؤلاء تفسير السلوك، وكيفية حدوث التعلم، فسلوك الإنسان من وجهة نظرهم متعلم، وأن لدى الفرد دوافع فسيولوجية هي الأساس في سلوك الإنسان، وعن طريق التعلم يكتسب الفرد دوافع جديدة تستند إلى الدوافع الفسيولوجية وتسمى بالدوافع الثانوية، وهذه الدوافع هي التي توجه سلوك الإنسان للوصول إلى أهدافه (الزعبي، 2004،ص 61)

تفسير الاضطرابات النفسية:

 يرى السلوكيون أن الاضطرابات النفسية، والمشكلات السلوكية، ما هي إلا عادات متعلمة خاطئة، أو سلوكيات غير متكيفة، يحتفظ بها الفرد لفاعليتها كوسيلة دفاعية لتجنب مواقف غير مرغوبة، أو ليقلل من قلقه وتوتراته، مما جعلها ترتبط شرطيا بالموقف الذي أدى إليه(الزعبي، 2004،ص 63)

إن الشخصية السوية في نظر السلوكيين رهن بتعلم عادات صحيحة وسليمة، وتجنب اكتساب عادات سلوكية غير صحيحة، وتتحدد الصحة والسلامة بناء على المعايير الاجتماعية السائدة بالفرد، وبذلك فإن مظاهر الشخصية السوية عند السلوكيين هي  أن يأتي الفرد بالسلوك المناسب في كل موقف بحسب ما تحدده الثقافة التي يعيش في ظلها(الخطيب، 2009،ص 371)

-المفاهیم الأساسیة للنظریة:

-1 سلوك الإنسان متعلم: أي أن الفرد یتعلم السلوك السوي ویتعلم السلوك غیر السوي وأن السلوك المتعلم یمكن تعدیله.

-2 المثیر والاستجابة: بموجب النظریة السلوكیة فإن كل سلوك أو استجابة له مثیر وإذا كانت الأمور سلیمة یكون السلوك سویا، ففي الإرشاد التربوي لا بد من دراسة المثیر والاستجابة وما یتخلل من عوامل الشخصیة جسمیا وعقلیا واجتماعیا وانفعالیا.

-3 الدافعیة: لا یوجد هناك تعلم بدون دافع، والدافع طاقة كامنة قویة بدرجة كافیة تدفع الفرد وتحركه إلى السلوك، ووظیفة الدوافع في عملیة التعلم ثلاث هي:

- یحرر الطاقة الكامنة الانفعالیة في الفرد.

- یملي على الفرد أن یستجیب ویهتم لموقف معین ویمهل المواقف الأخرى.

- یوجه السلوك وجهة معینة لیشبع حاجة معینة عند الفرد.

-4 الشخصیة: هي التنظیمات السلوكیة المتعلمة الثابتة نسبیا التي تمیز الفرد عن غیره من الناس.

-5 التعزیز: هو التقویة والتدعیم والتثبیت بالإثابة والسلوك یتعلم ویقوى ویدعم ویثبت إذا تم تعزیزه.

-6 الانطفاء: وهو ضعف وتضاؤل وخمود واختفاء السلوك المتعلم إذا لم یمارس ویعزز أو إذا ارتبط شرطیا بالعقاب بدل الثواب.

-7العادة: والعادة هي رابطة تكاد تكون وثیقة بین مثیر واستجابة، وتتكون العادة عن طریق التعلم وتكرار الممارسة ووجود رابطة قویة بین المثیر والاستجابة وهي في معظمها مكتسبة ولیست موروثة.

-8التعمیم: إذا تعلم الفرد استجابة، وتكرار الموقف فإن الفرد ینزع لإلى تعمیم الاستجابة المتعلمة على استجابات أخرى تشبه الاستجابة المتعلمة، وإذا مر الفرد بخبرات في مواقف محدودة فإنه یمیل إلى تعمیم حكم یطبقه على المواقف الأخرى بصفة عامة.

-9التعلم ومحو التعلم وإعادة التعلم: التعلم و تغییر السلوك نتیجة للخبرة والممارسة، ومحو التعلم یتم عن طریق الانطفاء، وإعادة التعلم تحدث بعد الانطفاء بتعلم سلوك جدید، وهذه سلسلة من عملیات التعلم تحث في التربیة والإرشاد والعلاج النفسي، بمعنى محاولة محو ما تعلمه الفرد ثم إعادة تعلیم من جدید(منسي ومنسي، ، ص179-180).

مسلمات النظريه السلوكيه فى الإرشاد: تقوم هذه النظريه على مجموعه من المسلمات تم استقاؤها من خلال التجريب والملاحظه وهى على النحو التالى:

1. أن شخصيه الفرد ماهي إلا تنظيم من العادات والأساليب السلوكيه يكتسبها الفرد خلال نموه عن طريق عمليه التعلم.

2. تمثل الإضطرابات النفسيه والإنحرافات السلوكيه عادات متعلمه أو خاطئه أو سلوك غير  توافقية تعلمها الفرد ليقلل من قلقه وتوتراته، أو ليتوافق مع محيطه حسب ما يرى.

3. يركزالأرشاد والعلاج السلوكي بوجه عام على مشكله الفرد الحاليه وعلى الأعراض المرضيه وكيف تبدو ولا تبحث في الأسباب الكامنه وراء الأعراض.

4. يرفض السلوكيون مفاهيم التحليل النفسي مثل اللاشعور والخبره الذاتيه والصراعات الداخليه لأنها غير قابله للدراسه والتحقق.

5. يرى السلوكيون في طبيعه الإنسان،  أنه خالٍ من الخير والشر في طبيعته، وإن السلوك هو نتاج البيئه وخبراتها.

ومن أبرز من أسهم في تطبيق النظرية السلوكية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي جون دولارد ونيل ميلر Dollard & Miller؛ "1950"، فهما اللذان زاوجا بين النظرية والتطبيق العلمي، وهما يقبلان استخدام مفاهيم وأساليب التحليل النفسي مثل مفهوم الصراع والعمليات اللاشعورية ولكنهما يصوغانها في مصطلحات نظرية التعلم الشرطي. وهما يعتبران السلوك العصابي سلوكا ناتجا عن صراع انفعالي عنيف مثل الذي يحدث عندما يدفع الخوف الفرد إلى تجنب استجابة تتعارض مع استجابة هادفة، وعندما تتوقف الاستجابة الهادفة بسبب الخوف يقل الخوف، ومن ثم يعزز السلوك التجنبي، ولكن التوتر الذي يسبق الدافع لا ينخفض، ويحاول الفرد مرة ثانية سلوكا يقربه من الهدف، وهذا يثير الخوف مرة أخرى ويسبب إيقاف الاستجابة نحو الهدف مرة أخرى. ولما كان إيقاف الاستجابة يقلل الشعور القوي بالخوف فإن الحافز نحو الهدف يكبت. وعلى الرغم من أن الحافز للسلوك قد يكتب بهذه الطريقة، فإن الدوافع غير المشبعة تبقى قوية، ويظل الفرد مشغولا مضطربا بسبب الأفكار التي تصحب ذلك. ويؤدي الخوف والدوافع غير المشبعة لدى الفرد إلى ظهور أعراض عصابية في شكل خوف ووسواس وقهر وما شابه ذلك كوسيلة للتخلص من الخوف وإشباع الدافع مؤقتا "ولو بطريقة مرضية". وبمرور الوقت فإن الأعراض تعزز، وحيث أن الكبت يعفي الفرد من التعبير عن مشاعره فإنه لا يستطيع أن يحدد أو يتعرف على أسباب الأعراض العصابية في سلوكه، وحتى لا يحدث تعزيز الخوف، ولكي ينطفئ بدلا من ذلك، فإن الإرشاد أو العلاج النفسي يجب أن يهيئ مناخا نفسيا صحيا بدلا من المناخ السيئ الذي كان في الخوف والخجل والشعور بالإثم مرتبطا بكلمات معينة ثم عمم منها. ويعزز المرشد استجابة العميل عندما يتكلم وهو قلق بتمام إصغائه وتقلبه وفهمه ومشاركته الوجدانية وإتاحة الحرية ومساعدة العميل على استعادة ذكرياته والتخلص من قلقه وخوفه، وانطفاء الخوف يساعد على أن يصبح أكثر نشاطا وابتكارا وأن يعي ويستخدم قدراته في تعامله مع العالم المحيط به.

نقد النظرية السلوكية:

من الانتقادات الموجهة للإرشاد السلوكي ما يلي:

- الإرشاد السلوكي لا يعالج الأسباب، وإنما يتعامل وبصورة سطحية مع الأعراض.

- لا يمكن استخدام الإرشاد السلوكي مع الأفراد الذين لديهم مستوى ثقافي مرتفع، لأنه يهتم فقط بمستوى القدرة على التحمل، فالأفراد الذين يبحثون عن معنى في الحياة، أو الوصول بطاقاتهم إلى أعلى حد، فإن الإرشاد السلوكي لا يمكن أن يساعدهم في ذلك.

- إن حرية المسترشد ومسؤوليته قد تقل، لأن المرشد ينظر إلى نفسه على أنه مهندس لسلوك المسترشد، مما يعني سيطرته عليه.

- قد يغير الإرشاد السلوكي سلوك المسترشد، لكنه لا يغير مشاعره، وهناك من يرى أنه لا بد أن يتغير الشعور إذا أردنا تغير السلوك.

- لا يزود الإرشاد السلوكي المسترشد بالقدرة على التبصر الداخلي.

- يتجاهل الإرشاد السلوكي الأسباب التاريخية للسلوك الحالي(الخطيب،2009،ص 384)


Last modified: Monday, 23 October 2023, 12:09 AM