الدرس 01:أصول النقد المعاصر
المحاضرة الثانية: أصول النقد المعاصر
1-أصول النقد المعاصر: تتحد أصول النقد الأدبي المعاصر في ثلاثة جذور أو روافد أساسية، هي:
1-1-الأصول التاريخية والاجتماعية:
تعد الأصول التاريخية والاجتماعية إحدى أهم روافد ما عرف بالنقد السياقي، وعلى الرغم من اهتمامات هذا التوجه المبالغ فيها بالعوامل الخارجية المحيطة بالنص الأدبي إلا انه شكل رافد مهما بنى عليه النقد الأدبي الحديث والمعاصر تحليلاته ومنطلقاته النقدية ومختلف مقولاته وتصوراته للعملية الأدبية والإبداعية، وقد وجد ذلك صداه في جهود كل من غوستاف لانسون، وسانت بيف وبرونتيار وهيبوليت تين في ثلاثيته الشهيرة، وفي الفلسفات الاشتراكية والاجتماعية لدى كل من ماركس وإنجلز ولينين ولوكاتش وغولدمان وبيار ماشري وكلود دوشي وبيير زيما وميخائيل باختين وغيرهم.
1-2-الأصول اللسانية:
أحدثت اللسانيات طفرة علمية بتأثيراتها الفاعلة التي قادت إلى تبلور نظريات النقد الحديثة ومختلف مناهجها المعاصرة، حيث شكلت مصدر إشعاع فكري وإمداد معرفي لنظريات تحليل الخطاب الأدبي بشكل عام؛ لأنها أمدتها بالأدوات الإجرائية والتحليلية والنقدية، وهو الأمر الذي بدا جليا مع مناهج مثل البنيوية والسيميائيات والأسلوبيات والسرديات وتحليل الخطاب والتداوليات التي نهلت جميعا من اللسانيات وتولدت من رحمها واستقت منها معظم آلياتها ومفاهيمها.
إن النشأة الحقيقية للمقاربات النقدية المعاصرة ترجع بالأساس إلى علم اللسانيات الحديث Linguistique الذي أرسى دعائمه العالم اللساني السويسري فرديناند دي سوسير (1857-1913) مع أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث شكلت محاضراته الشهيرة في اللسانيات فتحا منهجيا مهما، ورافدا معرفيا أدى إلى استنباط مناهج نقدية جديدة، وبلورة تصورات نظرية مغايرة قادت إلى فتح آفاق فسيحة لتطوير البحث العلمي والنقدي في دراسة الأدب، وفي تحليل أساليبه ووصف ظواهره وإبراز خصائصه، وكشف طرائق صوغه، وتعليل كيفيات نشوئه وأسبابها.
وهو ما عمل تلامذة سوسير على النهوض به بعد وفاته من خلال شرح تلك المحاضرات والدروس وإعادة التفكير فيها والتعمق في فهمها واستيعاب قضاياها ومقولاتها لا سيما ما يتعلق بالثنائيات اللغوية الشهيرة: (الدال والمدلول، اللغة والكلام، التركيب والاستبدال، الزمنية والتزامنية).
1-3-الأصول الشكلانية:
لقد مثلت دراسات الشكلانيين الروس وأبحاثهم، أولى اللحظات الحاسمة في تاريخ الدراسة المحايثة للنصوص الأدبية والسردية، ومرحلة تحول واضح في الوعي بالأدب ووظيفته بصفة عامة نسبيا، فقد أحدثوا رجة قوية عملت على محاولة تجاوز تصورات سلطة اللغة النقدية القديمة وانتهاك حدودها وهدم أسوارها المنيعة. مما قاد إلى ضروب جديدة من التناول النقدي بعيدا عن التأويلات الاجتماعية والأخلاقية والتاريخية والسيكولوجية، وكل العوامل الخارجية. تم ذلك من خلال انشغالهم بالأشكال والتقنيات والأنساق النصية الداخلية، والبنى الأدبية، على أساس أنّها ما يحقق أدبيّة الأدب. وبذلك عد "جاكوبسون" الشكلانية الروسية * بأنها بنيوية مبكرة[1].
وقد أشار "بوريس إيخنباوم" إلى ذلك، ملخصا منهجيتهم في البحث بقوله: "لقد اعتبرنا، ولازلنا نعتبر كشرط أساسي، أن موضوع العلم الأدبي يجب أن يكون دراسة الخصائص النوعية للموضوعات (objets) الأدبية التي تميزها عن كل مادة أخرى"[2]. وهو ما عبر عنه "رومان جاكوبسون" بأن: "موضوع العلم الأدبي ليس هو الأدب وإنّما "الأدبيّة" Littéraritéأي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا"[3].
*:الشكلانية صفة أطلقها خصوم هذه المدرسة وبالأخص الماركسيين للتقليل من قيمة جهود مؤسسيها (مجموعة من النقاد الروس الشباب)؛ لأنهم كما يزعم الخصوم تجاهلوا الجوانب الاجتماعية للأدب، وركزوا جل اهتماماتهم على الجانب الشكلي في الأثر الأدبي، وقد رفض الشكلانيون وخاصة "إيخنباوم" هذه الصفة القدحية، حيث صرح قائلا: "لسنا شكلانيين إننا بالأحرى تمييزييون". ينظر: إيرليخ (فيكتور)، الشكلانية الروسية، ترجمة: الولي (محمد)، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000، ص: 13.
[1]: عبد العزيز حمودة ، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، يناير، 1978، ص: 164.
[2]: تزفطان تودوروف، نظرية المنهج الشكلي، نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة إبراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، ط1، بيروت، لبنان، المغرب، الرباط ، 1982، ص: 35.
[3]: تزفطان تودوروف، المرجع السابق، والصفحة السابقة.