عريس نصرالدين                          مادة علم النفس الايجابي                  السنة اولى ماستر عيادي

         الدرس الحادي عشر: الوقاية

 

ينقسم علم النفس الإيجابي إلى محورين رئيسيين:

1.    تشخيصي و علاجي

2.    و نشاط وقائي حيث يتعلق الأول بدراسة الحالات المرضية و محاولة التشخيص و العلاج أو تخفيفها و يتعلق الجانب الثاني بتعزيز الصحة النفسية للإنسان، والسماح بنظرة أكثر واقعية و إيجابية لشخصية الفرد و نفسه بدراسة مصدر الطاقات الإيجابية للنفس البشرية و تحديد الفضائل و الخصائص الإيجابية للأخلاق التي تساهم في الوقاية الإيجابية من المرض.

يشير المنهج الوقائي في الصحة النفسية لمجموع الإجراءات المتبعة من طرف الفرد لتجنب الإضطرابات النفسية و تحقيق صحته النفسية.

1-             تعزيز الصحة النفسية:  (الدور الوقائي لعلم النفس الإيجابي).

تعتبر منظّمة الصحة العالمية (1986) أن تعزيز الصحة: "هو العملية التي تمكن الناس من اكتساب سيطرة متزايدة على صحتهم ومن تحسينها كما أنه يمكن لعوامل نفسيّة، إجتماعية و سلوكية متنوعة أن تحمي الصحة و تعزز الصحة النفسية الإيجابية للفرد من خلال النظرة التفاؤلية إلى الحياة، الإحساس بالهدف و الإتجاه في الحياة، الإستراتيجيات الفعالة للتصدي للتحديات، العلاقات الإجتماعية المجزية عاصفيا و التعبير عن العواطف الإيجابية و الإندماج الإجتماعي (بلقندوز، 2017، ص161)

وفي عام (2018) أضافت منظمة الصحّة العالمية قولها:" إنّ الصحة النفسية جزء أساسي لا يتجزّأ من الصحة. وفي هذا الصدد ينص دستور منظمة الصحّة العالمية على أنّ "الصحة هي حالة من إكتمال السلامة بدنيًا و عقليًا و إجتماعيًا، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز". ومن أهمّ آثار هذا التعريف أنّ شرح الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الإضطرابات أو حالات العجز النفسية.

و الصحة النفسية عبارة عن حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته أو قدراتها الخاصة و التكيّف مع أنواع الإجهاد العادية و العمل بتفان و فعالية و الإسهام في مجتمعه أو مجتمعها.

تعتبر الصحة النفسية و المعافاة من الأمور الأساسية لتوطيد قدرتنا الجماعية و الفردية على التفكير، التأثر، و التفاعل مع بعضها البعض كبشر، وكسب لقمة العيش و التمتع بالحياة. وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار تعزيز الصحة النفسية و حمايتها و استعادتها شاغلاً حيويا للأفراد و الجماعات و المجتمعات في جميع أنحاء العالم".(منظمة الصحّة العالمية، 2018)

2-             الوقاية الإيجابية عند سليجمان:

فيما يأتي الطرح الذي قدمه "سليجمان" مؤسس علم النفس الإيجابي حول الجانب الوقائي كجانب مهم له أولوية سابقة على علاج الإضطرابات.(Seligman, 2002.P3-6).

يعتقد سليجمان أن مجال علم النفس الإيجابي على مستوى الذاتي يدور حول التجربة الذاتية الإيجابية: الرفاه و الرضا، التدفق و الفرح و الملذات الحسية و السعادة، والمعرفة البناءة عن المستقبل، التفاؤل و الأمل و الإيمان. على المستوى الفردي، يتعلق الأمر بالسمات الشخصية الإيجابية: القدرة على الحب، و الشجاعة، ومهارات التعامل مع الآخرين، والحساسية الجمالية، و المثابرة، و التسامح و الأصالة، والتفكير المستقبلي، والموهبة العالية، والحكمة.

في العقد الماضي، أصبح علماء النفس أكثر اهتماما بالوقاية، وكان هذا هو موضوع إجتماع الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 1998 في سان فرانسيسكو.

و التساؤل الرئيس للإجتماع كان: كيف يمكننا منع مشاكل مثل الإكتئاب أو تعاطى المخدرات أو الفصام لدى الشباب المعرضين للخطر وراثيا، أو الذين يعيشون في عوالم تغذي هذه المشاكل، كيف يمكننا منع العنف القاتل في فناء المدرسة لدى الأطفال الذين لديهم إشراف أبوي، ضعيف أو يحوزون أسلحة؟

تم التوصل إلى فكرة جوهرية وهي أن نموذج المرض لا يقربنا من الوقاية من هذه المشاكل الخطيرة. في الواقع، جاءت الخطوات الرئيسية في الوقاية إلى حد كبير من منظور يركز على بناء الكفاءة بشكل منهجي.

الوقاية الإيجابية تقوم على تأكيد أن هناك نقاط قوة بشرية تعمل كحاجز ضد الأمراض النفسية و العقلية منها على سبيل المثال لا الحصر: الشجاعة، الذكاء الروحي، التفاؤل، المهارة الشخصية، الإيمان، أخلاقيات العمل، الأمل، الصدق، المثابرة، والقدرة على التدفق و البصيرة... إلخ. و بالتالي سيكون جزء كبير من مهمة الوقاية في هذا القرن الجديد هو خلق علم للقوة البشرية تتمثل مهمته في فهم و تعلم كيفية تعزيز هذه الفضائل لدى الشباب.

يركز "سليجمان" في منهجه الوقائي على مهارة "المناقشة" وهي مهارة يمتلكها جميع الأفراد و لكنهم يوظفونها عادة في المكان الخطأ. واستخدام هذه المهارة يصب في صميم "التفاؤل المكتسب".

فمثلا: إذا إتهمك شخص خارجي منافس لعملك زورًا بالفشل في وظيفتك و عدم استحقاقك لمنصبك، فسوف تعارضه. سوف تجمع كل الأدلة على أنك تقوم بعملك بشكل جيد للغاية و سوف تفند كل تلك الإتهامات. لكن إذا اتهمت نفسك زورًا بأنك لا تستحق وظيفتك-وهو مجرد محتوى لأفكار المتشائمين التلقائية-فلن تعترض عليه. حيث أننا نميل إلى تصديق الأحكام الصادرة من الداخل. لذلك في برامج التدريب على" التفاؤل المكتسب "، نعلم الأطفال و الكبار على حد سواء التعرف على تفكيرهم الكارثي و أن يصبحوا متنازعين ماهرين.

يؤكد" سليجمان " أنه إذا كنا نرغب في منع تعاطى المخدرات بين المراهقين الذين نشئوا في حي يعرضهم للخطر، فإن الوقاية الفعالة تتألف من تحديد و تضخيم نقاط القوة التي يمثلها هؤلاء المراهقون بالفعل، فالمراهق صاحب التفكير المستقبلي، والذي يتمتع بمهارات التعامل مع الآخرين، والذي يستمد شعور التدفق من الرياضة، ليس معرضًا لخطر تعاطى المخدرات. كذلك إذا كنا نرغب في منع مرض انفصام الشخصية لدى شاب معرض لخطر وراثي، فيستحسن تعليم الشاب مهارات شخصية فعالة، وتنمية أخلاقيات عمل قوية لديه، وتعليمه المثابرة في ظل الشدائد، بذلك يكون أقل تعرضل لخطر لإصابة بالفصام.

وبالتالي، من خلال تحديد نقاط القوة هذه و تضخيمها و التركيز عليها لدى الأشخاص المعرضين للخطر، فإننا سنعمل على الوقاية الفعالة.

ولتعزيز عامل الوقاية الإجابية، يتعين على الممارسين النفسيين التركيز على تضخيم نقاط القوة عملائهم بدلاً من إصلاح نقاط ضعيفهم.

ويتعين على علماء النفس الذين يعملون مع العائلات و المدارس و المجتمعات الدينية و الشركات تطوير مناخات تعزز نقاط القوة المذكورة آنفا.

تعزيز عامل الوقاية في علم النفس الإيجابي له تأثير مباشر في منع العديد من الإضطرابات الإنفعالية الرئيسية و بالتالي تحقق الوقاية ميوتين مهمتين هما:

أ‌-                 جعل حياة العملاء أكثر صحة من الناحية الجسدية، بالنظر إلى آثار الصحة النفسية على الجسم.

ب‌-           و إعادة توجيه علم النفس نحو مهمة جعل الأشخاص العاديين أقوى و أكثر إنتاجية، فضلاً عن جعل الإمكانات البشرية العالية فعلية.

من جهة أخرى تنص منظمة الصحّة العالمية أن تاريخ الوقاية من الأمراض النفسية يمتد لأكثر من مائة عام منذ الأيام الأولى لحركة الصحة النفسية التي بدأت في أوائل القرن العشرين، حيث أن هناك الكثير من الأفكار حول الإستراتيجيات الممكنة لمنع المشاكل السلوكية، و الإضطرابات النفسية لدى الأطفال و البالغين.

3-             دور المؤسسات الإجتماعية في تعزيز الوقاية من الأمراض النفسية:

3.    تلعب المؤسسات الإجتماعية دورا جوهريا في وقاية الأفراد من الإضطرابات النفسية من خلال القيام بعدة أدوار تحقق هذا الهدف، ويمكن أن نذكر من ضمن هذه الأدوار ما يلي:  (ابراهيم، 2017،ص582-587).

3-1: دور الأسرة:

Ø    توفير التغذية السليمة و الحفاظ على الصحة العامة للأبناء.

Ø    خلق مناخ أسري آمن من خلال تجنب أساليب التنشئة السلبية (التدليل أو القسوة المفرطين).

Ø    إشباع حاجات الطفل من الحنان و الحب و الدفء.

Ø    تنمية الوازع الديني لدى الأبناء و غرس المبادئ الأخلاقية و تعديل السلوكات السلبية بطريقة تربوية بناءة.

Ø    تجنب الخلافات الزوجية و الألفاظ النابية و تجنب إدخال الطفل في دائرة اصراع بين الزوجين.

Ø    تنمية روح المشاركة و العدل بين الأبناء.

Ø    مشاركة الأبناء في إهتماماتهم (اللعب، النشطة الرياضة...).

Ø    مساعدة الأبناء في حل مشكلاتهم (الدراسية مثلا).

Ø    تنمية مهارات الطفل في التواصل مع الآخرين وفي تأدية واجباته و الدفاع عن حقوقه.

Ø    تنمية ثقافة الحوار واوفير علاقات مستقرة مع الأطفال خاصة في مرحلة المراهقة.

Ø    تدريب الأبناء على إحترام القيم و المعايير الأخلاقية للمجتمع.

Ø    تقديم الرعاية الكاملة لكبار السن (تقبلهم، و التعاطف معهم، و تقديم المساندة و الدعم الكافيين لهم) لتخطى الأزمات النفسية التي قد تواجه المسنين.

 

 

3-2: دور المؤسسات التربوية:

نستعرض فيما يلي لمجموعة من الطرق التي يمكن أن تهيئ التربة الخصبة للوقاية من المرض النفسي كما يلي:

ü    أن تكون المناهج الدراسية مرنة تتيح الفرصة للتفكير و الإبداع.

ü    الإهتمام بتوفير الخدمات النفسية في المدرسة، من خلال إختصاصي نفسي يملك كفاءة التعامل مع كل فئات المتعلمين و مشكلاتهم.

ü    تنظيم المؤسسة التربوية ندوات إرشادية لفائدة الوالدين قصد توعيتهم بالمرض النفسي و دورهم في الوقاية منه.

ü    تعزيز التعاون بين المدرسة و الأسرة لضمان الحلول الأنجع لمشاكل المتعلمين.

ü    تنظيم دورات لفائدة المتعلمين حول السلوكات السلبية و تداعياتها.

ü    تنمية ثقافة الحوار داخل الوسط المدرسي.

ü    الإهتمام بالنشاطات المختلفة خاصة النشاطات الرياضية لتفريغ الطاقة الزائدة.


Last modified: Tuesday, 14 November 2023, 9:05 PM