:نظريه الإرشاد السلوكي المعرفي لمتشنبوم
دونالد هربرت ميتشنبوم امريكي الأصل ولد في مدينه نيويورك عام 1940. حصل علي البكالوريوس من الكليه المدنيه عام 1962، ثم التحق بجامعه إلينوي وحصل علي درجة الماجستير عام1965 والدكتوراه في علم النفس الكلينيكي عام 1966. وقد عمل في جامعة واترلو في أونتاريو بكندا منذ عام 1966 . وقد كتب ميتشنبوم مجموعه من المراجع حول الارشاد والعلاج السلوكي المعرفي، وكذلك كتب عن طريقته التي أشتهر بها التحصين ضد الضغوط النفسية.
يؤكد ميتشنبوم علي الإتجاه المعرفي السلوكي كما عند البرت أليس وآرون بيك وغيرهما، حيث أشار بأن عمليه التعلم لايمكن أن تنحصر في مثير واستجابة كما تري النظرية السلوكية، لأن إمكانية حدوث أستجابات مختلفة لنفس المثير واردة، كما أنه يمكن حدوث استجابات متشابهة لمثيرات مختلفة، مما يشير إلي أن هناك عوامل أخري غير المثير والإستجابة تلعب دوراً في عملية التعلم وهي :
أ. التفكير.
ب. الإدراك.
ج. البناءات المعرفيه.
د. حديث الفرد الداخلي مع نفسه.
هـ. كيف يعزو الفرد الاشياء.
وهذه كلها تتدخل في عمليه التعلم وتتوسط بين المثير والاستجابه، ولها دور في التأثير علي سلوك الفرد، لذلك فمن المفيد معرفه مايدور في تفكير الفرد، وكيف يدرك الموقف؟ وماهو مفهومه عنه؟....ألخ.
يعتبر التركيز علي فهم الفرد كمسئول عن إحداث سلوكياته أساس نظرية ميتشنيوم، وقد استنتج بأن للتفكير والمعتقدات والمشاعر والحديث الإيجابي مع النفس وتوجيهات الفرد لنفسه (إعطاء اوامر لنفسه) لها دور كبير في عمليه التعلم. فعندما كان ميتشنبوم يقوم بتجاربه وهو يعد للدكتوراه في جامعه الينوي كان يقوم بتدريب المرضى الفصاميين بتعليمهم الكلام الصحيHealthy Talk عن طريق الاشراط الاجرائي وقد علم المرضى بأن يقوموا بتوجيه تعليمات لانفسهم بصوت عالي Self-Instructions كأن يقول الفرد منهم:( كن واضحاً وصريحاً، وتحدث في صلب الموضوع) . أما التجربة الثانية فكانت علي احد المعاقين الذي كان يخرج لسانه للعاملين فى المصحة، وقد نجح فى تعديل سلوكه عن طريق الاشراط المنفر (Aversive Conditioning) أي يقوم المرشد باخراج لسانه للمريض لكي ينفر المريض هذا السلوك، وفى احدي المرات قال المسترشد ( لماذا لاتطلب مني مباشره ألا أخرج لساني – إعطاء اوامر لانجاز المهمه – بدلا من ان تخرج لسانك لي) وعندها أتبع ميتشنبوم نصيحه المسترشد وطلب منه الكف عن إخراج لسانه فتعدل سلوكه ولم يعد يخرج لسانه.
وقد أدت الخبرات التي عاشها ميتشنبوم في تدريبه مع المرضي الفصاميين وغيرهم فى أن يفكر في تدريبهم علي أن يتحدثوا إلي أنفسهم بطريقه تؤدي إلي تغيير سلوكهم. وقد ركز علي الحديث الداخليInner-Speech أوالمحادثه الداخليهInner-dialogue حديث الذات أو الحوار الداخليSelf-Talk وكذلك اهتم بالتخيلاتImages . .كما بدأ في تطوير تفسير نظري لوظيفة هذه العوامل في تغير السلوك. ثم استخدم ميتشنبوم أسلوب التوجيه الذاتي (Self-Instruction) علي الأطفال ذوي النشاط الزائد من أجل ضبط سلوكهم، كما استخدم أسلوب التقليد والنمذجه لتحقيق هذه الغاية بالاضافه للتعزيز والعلاج المعرفي.
افتراضيات النظرية ومفاهيمها:
انطلق ميتشنيوم من الفرضيه التي تقول ( بإن الاشياء التي يقولها الناس لأنفسهم Verbal Libations تلعب دورا مهما في تحديد السلوكيات التي سيقومون بها، وأن السلوك يتأثر بنشاطات عديده يقوم بها الأفراد تعمم بواسطه الأبنيه المعرفيه المختلفه) . يخلق الحديث الداخلي الدافعيه عند الفرد، ويساعده علي تصنيف مهاراته وتوجيه تفكيره للقيام بالمهارة المطلوبة. ويري ميتشنيوم بإن تعديل السلوك يمر بطريق متسلسل في الحدوث ويبدأ بالحوار الداخلي والبناء المعرفي. إن السلوك الناتج عن الاتجاه المعرفي يركز علي كيفيه تقييم الفرد لسبب إنفعاله والي طريقه عزوه لسبب هذا الانفعال، هل هو سببه أم هم الاخرون؟ ويري ميتشنبوم إن هنالك هدفاً من وراء تغيير الفرد لحواره الداخلي. ويجب تحديد حاجه الفرد للشئ الذي يريد أن يحققه، والشئ الذي يرغب في إحداثه في البيئه وكيف يقيم المثيرات والي أى سبب يعزي سلوكه وتوقعاته.
يؤثر إدراك الفرد علي فسيولوجيته ومزاجه. ويري ميتشنبوم إن الانفعال الفسيولوجي ليس هو المعيق بحد ذاته الذي يقف في وجه تكيف الفرد، ولكن مايقوله لنفسه حول المثير هو الذي يحدد انفعالاته الحاليه. ويري ميتشنبوم حدوث تفاعل بين الحديث الداخلي عند الفرد وبناءاته المعرفيه هو السبب المباشر في عمليه تغيير سلوك الفرد، كما يرى أن عمليه التغيير تتطلب أن يقوم الفرد بعمليه الامتصاص – أى أن يمتص الفرد سلوكاً جديداً بدلا من السلوك القديم - وأن يقوم بعمليه التكامل بمعني أن يبقي الفرد بعض بناءاته المعرفيه القديمة إلي جانب حدوث بناءات جديده لديه. ويشير ميتشنبوم إلى أن البناء المعرفي Cognitive Structure يحدد طبيعه الحوار الداخلي، والحوار الداخلي هذا يعتبر أساسيا في البناء المعرفي الذى يسميه ميتشنبوم بالدائره الخيرة(Virtuous Cycle). علي المرشد أن يعرف المحتويات الادراكية التي تمنع حدوث سلوك تكيفي جديد عند المسترشد، وماهو الحوار الداخلي الذي فشل الفرد في أن يقوله لنفسه، ويجب علي المرشد أن يعرف حجم ومدي المشكلة، وماهي توقعات المسترشد من الإرشاد؟، وأن يسجل المرشد أفكار المسترشد قبل واثناء وبعد مرور المسترشد بالمشكله التي يواجهها. ثمه وظيفه ثانية للحوار الذي يتم داخل الفرد وهي التأثير علي الأبنية المعرفية وتغييرها، والبنية المعرفية هي التي تعطي نسق المعاني أو المفاهيم (التصورات) التي تمهد لظهور مجموعة معينة من الجمل أو العبارات الذاتية. يقول ميتشنبوم (ما أقصده بالبنية المعرفية هو ذلك الجانب التنظيمي من التفكير الذي يبدو يراقب ويوجه الاستراتيجية للأفكار، وأقصد أن أستفيد من نوع من المشغل التنفيذي (Executive Processor) يمسك بخرائط التفكير ويحدد متي نقاطع أو نغير أونواصل التفكير. إن التغييرات تحدث بدون تغيير في البنيه المعرفية، ولكن تعلم مهاره جديده يتطلب تغييراً في هذه البنية.) وتحدث التغييرات البنائيه عن طريق التشرب Absorption أو الاحلال او الازاحهDisplacement أو التكامل والاندماج Integration .
أساليب الإرشاد:
1. إشراط إبدال القلق :Anxiety-Relief Conditioning : يتمثل هذا التكتيك في اقتران المثير المنفر مع تعبير الفرد وحديثه الداخلي مع نفسه كأن يقول " اهدأ واسترخ "، اذا تحمل الفرد مثيرا غير مستحب لمدة قليلة ثم توقف أو أوقف المثير مباشرة بعد إشارة معينة فان هذه الإشارة تصبح مشروطة مع التغيرات التي سوف تلحق وهي ايقاف المثير غير المستحب.
2. أسلوب تقليل الحساسيه Systematic desensitization: هذا الأسلوب مأخوذ من نظريه الكف بالنقيض Reciprocal inhibition ويطلب المرشد من المسترشد أن يكتب هرماً بالأشياء التي تخيفه ويطلب منه أن يبدأها من الأقل أخافه الي الأكثر أخافه ، بعد أن يكون المرشد قد وضعه في حاله استرخاء فعندما يتخيل اشياء مخيفه في جو استرخاء فإن هذه الاشياء المخيفه سوف تنطفيء وسيكون الفرد أكثر قدره علي التحكم في مشاعر هو أفكاره المخيفه.
3. النمذجه Modeling :هي طريقه يحصل فيها المسترشد علي معلومات من الشخص الأنموذج ويحولها إلي صور ومفاهيم معرفية ضمنية وإلي حوار داخلي عنده ليعبر عنها بسلوك خارجي وهو تقليد النموذج، ويعطي تعليمات وأوامر لتوجيه المسترشد ليقوم بالعمل المطلوب منه.
4. الإشراط المنفر Aversive Condition: ومثال ذلك تعريض الشخص المتبول الي لسعة كهربائية لتنفره من عمليه التبول. وعندما يقترن ويرتبط التبول بالعقاب وهو الصدمـــة الكهربائية مع تكرار عبارات :" أن التبول شئ غير محبب" "أنا لا أحب أن أكون غير محبوب".
التطبيقات أو الطرق والأساليب الفنية:
أولا: طريقه التقدير السلوكي المعرفى: من المعتاد في العمل مع حالات الإضطرابات النفسية والعقلية أن يستخدم أحد أسلوبين:
المقابله الاكلينيكية: تبدأ المقابله الاولي باستكشاف مشكله المسترشد علي النحو الذي يعرضها المسترشد نفسه وكذلك التعرف علي توقعات المسترشد من الارشاد.
الاختبارات السلوكية: يشترك المسترشد في هذا النوع من الاختبارات في سلوكيات تشتمل علي مشكلته سواء في المختبر أو في موقف حياه واقعي ويتبع ذلك استكشاف الافكار والمشاعر خلال هذه الخبره.
ثانياً: مرحله التدريب التطبيقي:
يستخدم المرشد اساليب المواجهة فيعرض للمسترشد سلسله من الضغوط المهدده للأنا والمهدده بالألم بما في ذلك وجود صدمات كهربائية غير متوقعة. يقوم المرشد بنمذجة استخدام مهارات المواجهة يكون التدريب في صور متعدده حيث يشتمل علي مجموعه من الأساليب الإرشاديه والتي تشتمل علي التدريب والمناقشة والنمذجة وتعليمات للذات وعملية تكرار السلوك وكذلك التعزيز.
ثالثاً:أساليب أعادة البنية المعرفيه:
هناك مجموعه من الطرق الإرشاديه توضع تحت مسميات الإرشاد بإعادة البنية المعرفية أو الإرشاد بالدلالات اللفظيه (Semantic Therapy) وتركز هذه الطرق علي تعديل تفكير المسترشد واستدلالاتة وافتراضاته والإتجاهات التي تقف وراء الجوانب المعرفيه لديه. وينظر في هذه الحالات الي المرض العقلي علي أنه اختلالات محرفة في التفكير تؤدي الي رؤية تحريفية للعالم، وإلي انفعالات غير ساره وصعوبات ومشكلات سلوكية، وتسمى هذه الطرق بإسم الارشاد الموجه (Insight Oriented counseling) وفي الواقع فإن هذه المجموعه الواسعه من الطرق لاتمثل طريق أونظرية واحدة للإرشاد وإنما طرق مختلفة. ورغم كونها تهتم بالجوانب المعرفية لدي المسترشد فإن المرشدين يصورون هذه الجوانب المعرفية للمسترشدين بطرق تختلف من مرشد لآخر مما يؤدي إلي أساليب إرشادية متنوعة. وفيما يلي بعض التصورات حول الجوانب المعرفيه لدي المسترشدين:
العمليات المعرفيه باعتبارها انظمه تفكير غير عقلاني: يدخل في هذا التصور ذلك النموذج الذي وصفه ألبرت إليس الذي يري أن الافكار غير العقلانيه هي التي تؤدي الي الاضطراب السلوكي والاضطراب الانفعالي.
العمليات المعرفيه باعتبارها إنماط تفكير خاطئ: ويدخل في هذه المجموعة ذلك النموذج الذي قدمه وارون بيك والذي يركز علي انماط التفكير المشوه أو المنحرف الذي يتبناه المسترشد أو المريض. وتشتمل التحريفات علي استنتاجات خاطئة لايقوم عليها دليل وكذلك علي مبالغات في أهمية الاحداث ودلالاتها أو رؤية الاشياء علي انها ابيض واسود، خير أوشر، صحيح أوخطأ، دون وجود نقطة وسط، وكذلك المبالغه في التعميم. ويدرب المسترشدون علي التعرف علي هذه التحريفات من خلال الاساليب السلوكية واستخدام الدلالات اللفظية.
الجوانب المعرفيه وسيلة لحل المشكلات ومهارات التعامل: اقترح دى زوريلا وجولد فرايد وغيرهم التركيز علي التعرف علي غياب مهارات تكيفية ومعرفية معينة وعلي تعليم المسترشدين مهارات حل المشكلات عن طريق التعرف علي المشكلة، وتوليد البدائل الخاصة بالحلول، واختيار واحد من هذه الحلول ثم اختبار كفاءة هذا الحل. ويركز معالجون آخرون ومن بينهم ميتشنيوم علي مهارات المواجهة. وفي أسلوب حل المشكلات فإن المسترشدين يتعلمون كيف يواجهون ويحلون مشكلة ما، في مواقف مستقبلية، بينما في مهارات المواجهة فإنهم يتعلمون حل مشكلة في موقف أزمة أوموقف مشكلة حقيقية. يقول باترسون 1986 إن الارشاد السلوكي المعرفي عند ميتشنبوم ليس مجرد إرشاد سلوكي مضافا إليه بعض الاساليب المعرفية كما حدث في مجموعه من الطرق التي اقترحها بعض المعالجين السلوكيين الذين قرروا أهمية الأساليب المعرفيه مثل: جولد فرايد، ودافيسون، وكذلك أوليري، وويلسون. وإنما طريقة ميتشنبوم تتجه نحو المعرفية أكثر من اتجاهها نحو السلوكية، وتهتم نظرية ميتشينوم بما يقوله الناس لأنفسهم ودوره في تحديد سلوكهم. وبذلك فإن محور الارشاد يرتكز علي تغيير الاشياء التي يقولها المسترشد لنفسه – أى التي يحدث بها نفسه – وذلك بشكل مباشر أوبشكل ضمني الأمر الذي ينتج عنه سلوك وإنفعالات تكيفيه بدلا عن السلوك والإنفعالات غير المتكيفة. وبذلك فإن الإرشاد ينصب علي تعديل التعليمات الذاتية التي يحدث بها المسترشدون أنفسهم بحيث يمكنهم ذلك من التعامل مع المشكلات التي يواجهونها. وبالإضافة إلي إمكانية استخدام الأساليب الخاصة كنموذج ميتشنبوم بشكل منفرد فإنه يمكن إدماجه مع الأساليب السلوكيه المعروفة، وكذلك مع الطرق الخاصة بإعاده البناء المعرفى.