:النظرية الإنسانية في الإرشاد
عرفت أيضًا بنظرية الذات في الإرشاد التربوي، نشأت هذه النظرية عام (1949) على يد عالم النفس والسيكولوجيات الأمريكي كارل روجرز (Carl Rogers) الذي اقترن عمله ببعض الباحثين الكبار مثل ماسلو (Maslow)، ويشير المفهوم الأساسي للنظرية الإنسانية إلى الاهتمام بالنفس واحترام الذات فضلًا عن التركيز على القدرات الشخصية لكل فرد وإمكانية تطويرها لحل جميع المشكلات التي تواجهه وتؤكد هذه النظرية على تجارب وخبرات الإنسان والمشكلات التي تواجهه في حياته اليومية.، وقد ظهرت كردة فعل على هيمنة وسيطرة نظرية التحليل النفسي والنظرية السلوكية منذ بدايات القرن الماضي على نظريات الشخصية.
إذ تؤكد نظرية التحليل النفسي على الجانب اللاشعوري من حياة الإنسان في الإرشاد والعلاج النفسي، بما يحويه من خبرات مؤلمة أو سارة وعقد تكونت خلال مراحل الحياة السابقة له، وتعده المنطلق الأساس في العلاج، بينما أكدت النظرية السلوكية على المثيرات والاستجابات لها وما يرافق ذلك من عمليات تعلم غير صحيحة تؤدي إلى ظهور مظاهر سلوكية غير مرغوبة تحتاج إلى معالجة شعورية من اجل تعديل السلوك وإبداله بسلوكيات مرغوبة. فاختلفت النظرية الإنسانية عن نظرية التحليل النفسي في أساس هو أن الإنسان خير بطبعه، بينما اختلفت عن النظرية السلوكية في أساس أن السلوك الإنساني واع وعقلي وليس سلوكا آليا، فكانت النظرية الإنسانية وفقا لذلك فكرا ونهجا جديدا يختلف في أسسه الفلسفية عن فكري النظريتين العتيدتين.
من اشهر منظري هذه النظرية هما كارل روجرز 1902-1987 و ابراهام ماسلو1908-1970 الذي اهتم في دراساته بالأفراد الذين يعملون في مجالات حياتيه مختلفة ويعانون من مشكلات نتيجة لهذا العمل. كما حرص في دراسات أخرى على دراسة الشخصيات المشهورة والمبدعة، وذلك لمعرفة الكيفية التي يحققون بها الإنجازات في مجالات أعمالهم. ومن خلال جملة الدراسات التي أجراها توصل إلى أن الذي يتحكم أو الذي يلعب الدور الأساسي هو السعي لتحقيق الذات Self- actualization. إذ يرى ماسلو أن الشخص الذي يحقق ذاته هو الشخص الذي لديه دافع للإبداع واستخدام جميع إمكانياته في عمله أو مهنته أو وظيفته.
ويتفق معه على ذلك كارل روجرز، الذي يرى أن الإنسان لديه دافع فطري لتحقيق ذاته، وان الفشل أو الاحباطات التي تعترض طريق تحقيق ذاته هو الذي يؤدي إلى ظهور الأعراض أو المشكلات المرضية لديه.
يرى أصحاب النظرية الإنسانية من القدماء والمحدثين أن حل المشكلات والاستبصار بأسبابها والكيفية التي يمكن من خلالها الوصول إلى حلول أو معالجات يعتمد بشكل رئيس على العميل Client أو المسترشد، فهو الذي يضع الحلول لمشكلاته عندما يصل إلى مرحلة الاستبصار بأسبابها، لذلك تسمى الطريقة العلاجية أو الإرشادية لديهم بالإرشاد المتمركز حول العميل Clint-centered therapy or counseling.
المفاهيم الأساسيه لنظريه الذات:
الذات: يقصد بها ماهيه الفرد التى تنمو نتيجه النضج والتعلم والتفاعل مع البيئة، وهى تشمل الذات المدركة، والذات الاجتماعية، والذات المثالية، التى تسعى الى التوافق والاتزان.
مفهوم الذات: أو صورة الذات وهى تكوين معرفى منظم ومتعلق بالمدركات الشعورية والتصورات والتقييمات الخاصة بالذات. وهناك مفهوم الذات الاجتماعى الذى يتكون من المدركات والتصورات التى تحدد الصوره التى يعتقد أن الاخرين فى المجتمع يتصورونها عنه والتى يمثلها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعى مع الاخرين.
الذات المثالية: تشمل المدركات التى تحدد الصوره المثالية للشخص أى ماينبغى أن تكون عليه نفسه.
الخبرة: هى موقف أو مجموعه مواقف يعيشها الفرد فى زمان ما أو مكان معين ويتفاعل معها ويؤثر فيها ويتأثر بها.
الفرد: وهو الذى يكون صوره عن ذاته ويحاول تحقيق ذاته بالمثاليه التى ينشدها وهو الذى يتفاعل مع البيئة.
السلوك: أى نشاط موجه نحو هدف من جانب الفرد يسعى من خلاله لاشباع حاجاته.
المجال الظاهرى: يوجد الفرد فى وسط او مجال شعورى مدرك ويسلك الفرد بناءا على ادراكه فى هذا المجال ويتكون المجال الظاهرى من عالم الخبرة ويتضمن المدركات الشعوريه للفرد فى بيئته.
وسائل الارشاد عند روجرز: تشمل وسائل الإرشاد عند روجرز مايلى:
1. مهارة الإصغاء والإنتباه والإستماع الجيد بحيث يسمح للمسترشد أن ينفس عن مشاعره وانفعالاته.
2. التعاطف أى يفهم المرشد المسترشد من خلال اطاره المرجعى أو كما ينظر هو إلى نفسه ومشكلاته.
3. الإحترام غير المشروط وذلك بأن يحترم المرشد المسترشد احترام غير مقيد كانسان له قيمته بغض النظر عن مشكلاته الأخلاقيه أو سواها .
4. ألا يقيد المرشد المسترشد ويطلق عليه أحكاما.
5. أن تكون العلاقه بينهما علاقه مهنيه قائمه على الثقه والاحترام.
6. أن يعكس مشاعر المسترشد بكلماته الخاصه للتأكد من أنه قد فهم فهما عميقا طبيعة المشكلة، وأن يلخص مشاعر المسترشد بما تحتويه من معارف واتجاهات وانفعالات.
تعتبر نظريه روجرز من النظريات التى لاقت رواجا وشاع استعمالها وذلك لانها:
أ. تجذب المعالجين المستجدين لسماتها.
ب. تتناسب مع الأسلوب الديمقراطى فى اعطاء المسترشد تمام الحريه.
ج. طريقه العلاج فى البدايه تكون اسرع فى اعطاء النتائج.
دور وصفات المرشد فى نظريه الارشاد المتمركز حول المسترشد :
يحاول المرشدون بطريقه الإرشاد المتمركز حول المسترشد مساعدة الأفراد على نمو ذواتهم لكى يستطيعوا مواجهه الواقع وتنميه مفاهيم ايجابية عن الذات. ويتجنب المرشدون عملية التقييم أو التشخيص، فهم لا يبدون اهتماما بالتفاصيل المتصلة بماضى المسترشد ومايهمهم هو حاضره. وتتميز هذه العلاقه بثلاثه شروط هى: الصراحة ، وتقبل المسترشد ، والتقبل اللحظى.
تقبل المسترشد : يسعى المرشدون فى هذه الطريقه الى قبول كل شئ عن المسترشد، ولايرتبط هذا القبول بأى شروط، فالارشاد بهذه الطريقة يرتكز على الاتجاه الايجابى للمرشد أكثر من الاساليب والطرق الفنية، وهذا الاتجاه الايجابى يسهل عمليه الإرشاد مع ملاحظه أن الشئ المهم والأساسى الذى يؤكد ايجابية المرشد هو سلوكه وتعامله مع الاخرين، حيث أن هذه الايجابية تظهر جليا عند مقابلة العميل واشعاره بأن له اهمية، وأنه انسان يستحق المساعدة والحياة والإحترام، وله الحق فى إداره نفسه وأعماله.
التفاهم اللحظى: يشار احيانا الى المرشدين المتمركزين حول المسترشد على أنهم مرايا للشعور، فهم يعكسون لفظيا الخبرات الشعورية ليجعلوا الفرد على اتصال بمشاعره، أى أن المرشد فى ضوء هذه النظرية يتبع طريق التفاهم اللحظى، فتغير السلوك هنا يأتى من خلال تقويم الفرد لقدرته وتجاربه، حيث هذا يوصله الى المعرفة العامة بنموه كشخص فيستطيع أن يتعلم قبوله لنفسه وللاخرين ايضا. والتفاهم اللحظى يجعل المرشد يركز على ادراك وفهم محيط المسترشد بالطريقه التى يدركها أو يراها المسترشد نفسه. والإبتعاد عن المفاهيم الخاصه والتركيز على أهميه ما يبادر به المسترشد وكيف ينظر الى العالم على المرشد أن لايعطى المسترشد حلولا بل يقوده إلى اختيار حل مشكلته على ضوء خبرات المسترشد واتجاهاته وقيمه وعاداته وتقاليده.
نقد النظريه:
1.أعطى روجرز للفرد الحريه فى تحقيق أهدافه ناسيا أن هذه الاهداف قد لاتكون مشروعه.
2. يهمل روجرز اللاشعور ويركز فقط على الشعور.
3.لايهتم روجرز بالاختبارات والمقاييس النفسيه.
تؤكد النظرية الإنسانية في العملية الإرشادية على سعي المرشد إلى الارتقاء بالمسترشد كي يحقق ذاته في أي مجال من مجالات الحياة. فإذا تمكن أو بلغ هذا المستوى من الإنجاز في العلاقة الإرشادية بين المرشد والمسترشد، فإن شعور المرشد سيتمركز أو يتمحور حول تحقيق هذا الهدف، أي بمعنى آخر يعد نقطة الشروع في تحقيق الذات، والتي سيكون لها معنى وليست روتينية أو هامشية، ومن ثم يشعر بالراحة والسعادة والرضى عن النفس، على الرغم من ذلك يجب على المرشد أن يوضح جميع الإمكانيات والظروف التي يمكن له أن يستخدمها للتغلب على المشكلات أو الاحباطات التي تعترض سير تحقيقه لذاته. ويمكن أن تكون عملية التوضيح في ستراتيجية تحقيق الذات تتبع المتطلبات الآتية:
1- امتلاك الرغبة في التغيير.
2- اختبار الدوافع والتأكد منها.
3- الاختبار الصادق والصريح وبطرق مباشرة للحاجات او الرغبات.
4- الاستعداد لتحمل المسؤوليات وعدم التهرب منها.
5- استخدام وتوظيف التجارب الايجابية في الحياة.
6- الاستعداد النفسي لتقبل التغيير.
7- المرونة في تقبل الأفكار المخالفة.
8- تقويم التقدم الحاصل بشكل مستمر ومتواصل.
تعني هذه المتطلبات أن الإرشاد عند الإنسانيين يستهدف مساعدة العميل أو المسترشد على النمو النفسي السوي، ومحاولة لإحداث التطابق بين الذات الواقعية والذات المدركة (الذات عند الفرد كما يدركها هو) ومفهوم الذات للفرد كما يدركها الآخرون فيه. ويعني أيضا أن الإرشاد يركز على محاولة تغيير الذات للفرد كي تكون متطابقة مع الواقع، أو تحويل الذات المثالية عند الفرد (مثاليات الفرد في الحياة) إلى ذات واقعية (واقع الفرد كما هو عليه في الحياة). فإذا حصل هذا التحويل، حدث التوافق لدى الفرد، وهو دلالة على الصحة النفسية.
تنقسم الطريقة الإرشادية وفقاً للنظرية الإنسانية إلى قسمين: الأول هو التلقائية Spontaneity، وهي جعل العميل أو المسترشد يستبصر بالأمور والمشكلات التي يعاني منها، والتي من خلالها تظهر له نتيجة مفهومه عن ذاته ومفهوم الآخرين عنه، ومن خلال هذا الاستبصار Insight يلمس مدى الاختلاف بين مفهوم ذاته وممارساته الفعلية وخبراته. والثاني هو التعاطفEmpathy الذي يعني تلقي العميل أو المسترشد التشجيع على الاستمرار في الجلسات الإرشادية والقبول، ويعني هنا القبول، تقبل المرشد للمسترشد بكل عيوبه وسيئاته فضلا عن استشفاف مشاعر العميل أو المرشد لحظة بلحظة ومشاركته فيها، وإحساسه بالاهتمام في حل مشكلته.
كي يصل العميل أو المسترشد إلى مرحلة الاستبصار بأسباب مشكلته، فانه يحاول أن يفهم ذاته الحقيقية، ويتقرب في التعرف عليها أثناء الجلسات الإرشادية من خلال الإمكانيات والقدرات والظروف التي يتحدث عنها في الجلسات الإرشادية، لان المشكلة ببساطة حسب ما تراه هذه النظرية هو الصراع بين تحقيق الذات (بوصفها حاجة غريزية) والتحقيق الإيجابي للذات (أي تحقيق الذات وفقاً للمعايير الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع).
يمكن أن نستخلص من توظيف النظرية الإنسانية في العملية الإرشادية إلى أن مسارها يتخذ الخطوات الآتية:-
1- العلاقة الإرشادية بين المرشد والمسترشد يسودها جو التعاطف والتقبل للمسترشد كما هو.
2- يحاول المرشد أن يعطي التوضيحات والتفسيرات ويجيب على أسئلة المسترشد المباشرة إثناء سير العملية الإرشادية بصورة هادئة ومناسبة، مع تعزيز المسترشد ورفع معنوياته بشكل متواصل على أنه قادر على حل مشكلته، لكن بشرط أن لا يعطيه حلول جاهزة، بل يترك أمر الوصول إلى حل المشكلة للمسترشد نفسه(يحل مشكلته بنفسه بعد الوصول إلى مرحلة الاستبصار بأسبابها).
3- بعد مرور عدة جلسات إرشادية، يحاول المرشد أن يعطي تأويلات لمشاعر المسترشد المتدفقة لاسيما المشاعر الهائمة أو المكبوتة، على الرغم من أن المسترشد يحاول أن يخفي بعض هذه المشاعر، لكن على المرشد أن لا يهتم بذلك تاركاً المجال لزيادة الثقة والاطمئنان بالعلاقة الإرشادية والمرشد إن تمكن المسترشد من البوح والكشف عن أسرار أو خفايا أدق عن أسباب المشكلة، وهو كثيرا ما يحث بعد مرور عدة جلسات إرشادية والتزام المرشد بمتطلبات العملية الإرشادية وشعور المسترشد أن الهدف العام للعملية الإرشادية هو الحل الجدي لمشكلته.
4- لابد في نهاية الجلسات الإرشادية مهما كان عددها من إجراء تقويم شامل لسير العملية الإرشادية (يقوم بها المرشد نفسه أو بينه وبين المسترشد مباشرة) لرؤية مدى التطور أو التغيير الحاصل على مفهوم الذات لدى المسترشد، فضلا عن معرفة الرؤية المستقبلية التي تكونت لدى المسترشد عن تحقيق ذاته.