أنواع الشركات التجارية

المطلب الأول: التفرقة على أساس الإعتبار في التعاقد

أولا: شركات الأشخاص

ثانيا: شركات الأموال

المطلب الثاني:  التفرقة على أساس تمتع الشركة بالشخصية المعنوية أو عدم تمتعها

أولا: الشركات التي تتمتع بالشخصية المعنوية

ثانيا: الشركات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية

مقدمة:

تُأخذ بعين الاعتبار عدة معطيات من أجل اختيار شكل الشركة، فقد يختار الأعضاء المؤسسون للشركة شكل غير خاضع لضريبة مرتفعة مقارنة بشكل آخر، كما قد يكون أجر القائمين بالإدارة أحد المعطيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار حين تأسيس شركة، وكذلك الأمر بالنسبة لطريقة التسيير وآخذ القرارات داخل أجهزة الشركة، إذ قد يُحبذ المؤسسون طريقة التصويت غير معقدة من أجل التحكم في مصدر القرارات داخل الشركة.

وهكذا قد يقوم شخصان طبيعيان أو معنويان أو أكثر بتأسيس شركة تجارية بهدف تحقيق ربح أو تحقيق منفعة مشتركة. آخذين بعين الاعتبار المعطيات السابقة. 

       وبالرجوع إلى المشرع الجزائري نجده لم يخض في مسألة التعاريف وترك ذلك اختصاص خالص للفقه، غير أنه بالرجوع إلى قواعد الشريعة العامة، نجد أن المشرع الجزائري قد عرّف الشركة وكذلك أحكامها في المواد  416 وما يليها من القانون المدني حيث أكَّد على أنَّ الشركة: "هي عبارة عن عقد يلتزم فيه شخصين أو أكثر بإنشاء مشروع فيما بينهم، بقصد تحقيق ربح أو ادخار نفقات أو تحمل خسائر."

       وبالرجوع إلى نص المادة 416 ق.م نجد أن المشرع أكدَّ على مجموعة من النقاط، نوجزها فيما يلى:

أولا- الشركة عقد: وهكذا تندرج الشركة ضمن صنف العقود المسماة (مثلما هو الحال بالنسبة إلى عقد البيع- الإيجار- عقد المقاولة- عقد الوديعة.....)، رغم أنه ثار جدالا فقهي حول الطبيعة القانونية للشركة، هل هي عقد أم تنظيم أو مؤسسة؟

       فدعاة العقدية كصفة في الشركة أكدُّوا على أن إرادة الأطراف وحدها المصدر المنشئ للشركة، ولا يجوز إكراه شخص على أن يكون شريك في شركة.

       أما دعاة النظامية كصفة في الشركة، فيؤكدون على أنه ورغم أن إرادة الأطراف هي المصدر المنشئ للشركة، إلا أنها لا تحيى إلا في إطار تنظيم متواجد مسبقا، سواء في القواعد الخاصة المتعلقة بالقانون التجاري، أو تلك التي تأتي بها قوانين خاصة مثل قانون المالية، وكذلك الأمر بالنسبة للقواعد العامة المتواجدة في القانون المدني مثلا.

       وعلى العموم اهتدى الرأي الراجح إلى اعتبار الشركة مزيج بين العقد والتنظيم، فتنشأ بتوافق إرادتين أو أكثر، غير أنها تخضع فيما بعد إلى أحكام قانونية مسبقة.

ثانيا- تعدد الشركاء: لإنشاء شركة ينبغي أن يتوفر على الأقل شخصين من أجل تأسيسها، وقد يتطلب القانون في بعض أنواع الشركات حدا أدنى وحدا أقصى لعدد الشركاء المكونين لها أو المؤسسين لها كما هو الحال بالنسبة لشركة المساهمة أو شركة التوصية البسيطة، أين يجب احترام تركيبة الشركة من شركاء متضامنون وشركاء موصون.

ثالثا- نية المشاركة: وتتجسد هذه النية في اتخاذ مواقف والقيام بأعمال لا تترك شكا لدى الغير في نية الشريك مشاركة الآخرين في إنشاء الشركة والمساهمة فيها.

وتكون مساهمة الشريك بتقديمه لحصة عينية أو نقدية أو حصة بعمل أهم المظاهر المادية التي تجسد نية الشريك في الدخول في مشروع جماعي مع باقي الشركاء.

رابعا- اقتسام الربح وتحمل الخسائر: إن قيام أي مشروع لشركة بمختلف أنواعها يكون الهدف منه تحقيق ربح أو تحقيق ادخار في نفقات التأسيس أو نفقات التجهيز، وهذا يعتبر ربحا بالمفهوم الواسع.

       وقد يقع وأن تخسر الشركة نتيجة تقلب في ثمن سلعة معينة أو وقوع أزمة مالية تعصف باقتصاد العالم مما يؤثر ذلك على عائدات الشركة، فيكون بذلك جميع الشركاء ملزمون بتحمل الخسائر وأي شرط يقضي بذلك يقع باطلا.

       إن اختيار الشركاء شركة الأموال كشكل جماعي يمارسون فيه من خلاله أعمالهم التجارية من شأنه مضاعفة الأرباح وتحقيق أهداف كبيرة مقارنة بممارسة التجارة بشكلها الفردي، كما أن ممارسة التجارة في الشكل الجماعي يدعم مركز اتخاذ القرارات داخل الشركة عن طريق تكليف جهاز مستقل تناط به مهمة تسيير وإدارة أعمال الشركة تحت مسؤولية الطاقم الإداري، وهذا من شأنه تقوية الأداء الإداري عن طريق اختيار من أهم أصلح لمهمة التسيير.

       ولقد قسمنا هذه الدراسة إلى فصلين، سبقهما مبحث تمهيدي حاولنا من خلاله إعطاء مختلف الأشكال القانونية للشركات التجارية، وقمنا بدارسة مفصلة لشركة المساهمة في الفصل الأول، أين تناولنا الخصائص وطريقة التأمين وإدارة هذه الشركة، أما الفصل الثاني فتناولنا فيه الشركات ذات المسؤولية المحدودة بنمطيها المتعدد والوحيد، وكذلك شركة التوصية بالأسهم، حيث تطرقنا إلى إجراءات تأسيس هذه الشركات وطرق تسييرها وكذلك أسباب انقضائها وحالات تحولها.

مبحث تمهيدي: أنواع الشركات التجارية

       لقد تعددت أشكال الشركات التجارية وهذا بحسب مستوى التفرقة، لذلك وردت عدة أنواع للشركات، لعلى أبرزها التفرقة التي تميز شركات الأشخاص عن شركات الأموال، لذلك تتنوع الشركات بتنوع أساس التفرقة الذي تبنى عليها، فقد نفرق ما بين الشركات على أساس الاعتبار في التعاقد (المطلب الأول)، وقد نفرق ما بين الشركات على أساس تمتعها بالشخصية المعنوية من عدمه (المطلب الثاني)، وقد نفرق ما بين الشركات على أساس كيفية تمتعها بالصفة التجارية (المطلب الثالث)، وقد نفرق بين الشركات بأحقيتها في اللجوء العلني للادخار أم لا (المطلب الرابع).

المطلب الأول: التفرقة على أساس الاعتبار في التعاقد

       إذا أخذنا بعين الاعتبار الدافع من التعاقد في الشركات نجد هناك شكلين، من الشركات التجارية، شركات الأشخاص (أولا)، وشركات الأموال (ثانيا).

أولا- شركات الأشخاص:

              وسميت بشركات الأشخاص لأن الدافع للتعاقد هو تلك الرابطة الشخصية التي تصل الشركاء، سواء تعلق الأمر بعلاقة قرابة، مصاهرة أو صداقة، وقد يطلق عليها شركات الاعتبار الشخصي. ونجد أن النموذج الأمثل الذي يمثل هذا النوع من الشركات هو شركة التضامن، وقد يصطلح عليها كذلك الشركة ذات الاسم الجماعي S.N.C، ونجد إلى جانبها كذلك، شركة التوصية البسيطةS.C.S     (Société en Commodité Simple)، وكذلك شركة المحاصة (La société en participation).

ثانيا- شركات الأموال:

       في هذا النوع من الشركات يكون الدافع إلى التعاقد هو المال، بحيث تقع المسؤولية على الشركاء مختلفة تماما عن تلك التي يتعرض إليها الشركاء في شركات الأشخاص، بحيث يكونوا في هذا النوع مسئولون مسؤولية محدودة بقدر أموالهم المقدمة في رأس مال الشركة، ولا يكونون متضامنين فيما بينهم.

       ونجد النموذج الأمثل الذي يعكس كل صفات شركات الأموال هو شركات المساهمة S.P.A(Société Par Action) إلى جانب شركة التوصية بالأسهم S.A.C، والشركات ذات المسؤولية المحدودة (بشكليها المتعددة والوحيدة).

المطلب الثاني: التفرقة على أساس تمتع الشركة بالشخصية المعنوية أو عدم تمتعها

       فهذا المستوى من التفرقة مرده تمتع الشركة بالشخصية المعنوية بعد استكمال أعضائها جميع الإجراءات الشكلية (كتابة، تسجيل وشهر) (أولا) وتلك الشركات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية (ثانيا).

أولا- الشركات التي تتمتع بالشخصية المعنوية:

       بالرجوع إلى نص المواد 548و549 من ق.ت.ج والمواد 417 و418 من ق.م.ج نجد أن المشرع أكدَّ على أنه لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا بعد إتمام إجراءات القيد في السجل التجاري.

       وتعتبر جميع التعهدات المأخوذة على عاتق أحد أو بعض الشركاء باسم ولحساب الشركة مأخوذة تحت مسؤولية هؤلاء ما لم يوافق عليها باقي الشركاء بعد تسجيل الشركة في السجل التجاري، وتكون مسؤولية هؤلاء مسؤولية غير محدودة وبالتضامن اتجاه الغير عن جميع التعهدات السابقة لمرحلة التسجيل.

 

ثانيا- الشركات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية:

       باستقرائنا النصوص القانون التجاري نجد أن هنالك أربعة أنواع من هذه الشركات:

01- شركة المحاصة (Société en Participation):

       لقد جاء بها المشرع في المواد 795 مكرر 1 وما يليها من القانون التجاري، وأكدّ صراحة على أن هذا النوع من الشركات لا تتمتع بالشخصية المعنوية، حيث جاء في المادة 795 مكرر 2 من القانون التجاري أنه: "لا تكون شركة المحاصة إلا في العلاقات الموجودة بين الشركاء ولا تكشف للغير، فهي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ولا تخضع للإشهار ويمكن إثباتها بكل الوسائل".

       وينبغي علينا الإشارة إلى أن المشرع الجزائري اعتمد بعض الأشكال القانونية للشركات تختلف في الكثير من الأحيان عن الأنماط التقليدية للشركات التجارية، بحيث لا نجد بعض الأركان الموضوعية الخاصة في بعضها، فبصدور الأمر رقم 96-27 جاء المشرع الجزائري بنوع آخر من الشركات لا توجد  فيه بعض العناصر المعروفة في الشركة، فجاء المشرع ببعض الأفكار الجديدة، لعلى أهمها:  

 

أ- عنصر تعدد الشركات: إذ يفترض أن تنشأ المؤسسة الوحيدة ذات المسؤولية المحدودة من طرف شخص واحد فقط يعبر عنه بالمؤسس، ويطلق على هذا النوع من الشركات لفظ المؤسسة (Entreprise) وهذا دلالة واضحة على اختلافها عن الشركة.

ب- فكرة المشروع: فتنبغي الإشارة إلى أنه بمجرد اجتماع الشركاء فيما بينهم ينشأ مشروع يتسم بالاستقلالية عن الأعضاء المكونين له، وهذا المشروع يتطلب تقديم مساهمات، سواء تعلق الأمر بمساهمات نقدية، عينية أو المساهمة بعمل.

ج- تبني المفهوم الواسع لفكرة الربح: قد تتجسد فكرة الربح في المنتوج الصافي الذي يحققه مشروع ما بعد حساب المصاريف والضرائب واقتطاع رأس المال (المفهوم الضيق للربح)، غير أنه قد يحصل وأن يتفق أطراف معينين على إنشاء مشروع فيقومون باستئجار محل واحد بقيمة 20 ألف د.ج ويغيرون المشروع بقيمة 120 ألف د.ج، ويأتون بكاتب بأجر قيمته 20 ألف د.ج، ويكون عدد الشكاء هنا خمسة (05)، فالقيمة المدخرة لكل شريك في هذه الحالة هي 162 ألف دينار.ج.

       وقد جاء هذا النوع من الشركات تجسيدا للسياسة المتبعة آنذاك والتي بنيت أساسا على فكرة الانفتاح على السوق وتحرير الاقتصاد، وجاء المرسوم93-08 المؤرخ في 25-04-1993 بهذا النوع من هذه الشركات من أجل الرفع من وتيرة النمو الاقتصادي في الجزائر.

02الشركة في إطار التكوين: (société en cour de formation)

       وهي تلك الشركات المسماة والتي لم تسجل بعد في السجل التجاري، ومع ذلك يقوم أحد الشكاء فيها بالتعامل مع الغير باسم الشركة المسماة ولحسابها، غير أنه لا تصبح المعاملة فعلية إلا بعد الموافقة الفعلية الصريحة لجميع الشركاء، وفي غياب هذه الموافقة تنشأ هذه الشركة بين هؤلاء الأشخاص بحيث يكونون ملتزمون التزاما غير محدود في مواجهة الغير حسن النية.

03- الشركة الفعلية: (Société de fait)

              أكد جل الفقه على أن الشركة الفعلية هي شركة أنشأت خرقا للمقتضيات القانونية، ولقد عرفها أحد الفقهاء على أنها الشركة الناشئة عن بطلان عقدها أو نظامها بنص صريح في القانون أو في نظامها الأساسي.

       ويشترط لتطبيق نظرية الشركة الفعلية أن تكون الشركة قد باشرت أعمالا قبل الحكم بالبطلان، أما إذا صدر الحكم بالبطلان قبل أن تباشر الشركة أعمالها، فلا يكون لها كيان في الواقع، ولا صعوبة في تطبيق مبدأ الأثر الرجعي للبطلان.

04- الشركة التي تنشأ من الواقع: (Société crée de fait)

       إذا كانت نية الأطراف لتكوين الشركة ظاهرة وجلية في الشركة الفعلية، فإن هناك حالات أخرى تبدو فيها نية الأطراف محل جدل فيما يتعلق بالتكييف القانوني لتلك النية على غرار الشركة التي تنشأ من الواقع.

       وتتجسد هذه الشركة باتخاذ بعض الإجراءات والأفعال المادية لتحقيق غرض معين أو مشروع وهذا دون أن تكون هناك نية مشاركة.

       ولقد ثار جدلا فقهيا كبيرا حول أهمية هذا النوع من الشركات، واهتدى جل الفقه على اعتبارها مهمة للاقتصادات الوطنية للدول، غير أنها كسبب مشاكل كثيرة في مجال الإثبات وتحديد شكلها وغرضها.

       وقد ساير هذا الموقف رجال القضاء في فرنسا، فكان هناك أكثر من حكم قضائي يؤكد وجود هذا النوع من الاستغلال التجاري في المجتمع الفرنسي، وهكذا فقد اعتبر قضاة محكمة استئناف باريس بتاريخ 22 ديسمبر 1982 أن أعمال الشركاء المؤسسون لشركة ذات المسؤولية المحدودة تدل على وجود شركة فعلية بينهم.

آخر تعديل: الأربعاء، 28 ديسمبر 2022، 11:49 AM