التحليل الوظائفي لرواية الحوات والقصر للطاهر وطار:

-ملخص بسيط للرواية:

   (لما علم علي الحوات بنجاة السلطان قرّر أن يرحل عن قريته باتجاه القصر من أجل أن يهدي لجلالته سمكة، فلم يستجب لاعتراض أهل قريته، وزوجته على قرار رحيله؛ لأنهم يخافون على حياته من المجهول. فتوجه نحو القصر، ومعه سمكته السّحرية العجيبة التي ساعدته في صراعه مع الأعداء، وفي بلوغ مسعاه. وفي طريقه إلى القصر يمرّ بالقرى السّبع. ورغم أنّه يهدف إلى الخير، إلاّ أنّ إصراره وعزيمته على الوفاء بنذره قد كلفه -في كلّ مرة يعود فيها إلى القصر- فقدان ذراعه اليمنى، واليسرى، ثم قطع لسانه، وفقء عينيه، من طرف حراس القصر الملثّمين وهم إخوة علي الحوات: مسعود، وجابر، وسعيد. لكنه رغم ذلك يستطيع أن يصل إلى القصر وينتصر على أعدائه، ويتمكن في النهاية من هزيمتهم من خلال تبليغ رسالته وفكرته النبيلة لجلالة الملك، ونشره للخير الذي جاء يسم العصر به).

   سنحاول- في هذا الصّدد- أن نتتبّع ترتيب بعض الوظائف الأساسيّة في رواية (الحوّات والقصر)، كالآتي:

1-وظيفة الرّحيل أو المغادرة: في بداية الرّواية يعلن البطل "علي الحوّات" عن مغادرته القرية رغبة منه   في نشر الخير ومحاربة الشّر، غير أنّ حلمه هذا لن يتحقّق، إلاّ إذا وصل إلى القصر وبلّغ ذلك إلى الملك، الّذي سيساعده بدوره في إدراك رغبته ونشر فكرته في جميع القرى الأخرى. وقد استعان البطل في الوصول إلى القصر (الملك) بالأداة السّحريّة (السّمكة) الّتي مكّنته من الانتصار في المواجهات والصّراعات الّتي خاضها ضد أعدائه أثناء رحلته الطّويلة، والّتي يصوّرها النّصّ السّرديّ (الحوّات والقصر).

2-وظيفة تحريم أو منع: لقد أدّت فكرة مغادرة  "علي الحوّات" إلى اعتراض أهل القرية  وزوجته على ذلـك، فحاولوا منعه من الرّحيل أو المغادرة خوفا على حياته من المجهول."الفرص الّتي تتيح للعامّة الدخول إلى القصرنادرة يا علي الحوّات إن لم تكن منعدمة."[1]

-"لم تعد تحيا لنفسك وحدك يا علي الحوّات، فكلّ الرّعية لها نصيب في حياتك وفي مصيرك...يا علي الحوّات، كلّ القرى أحبتك، كلّ الرّعيّة يتمنون أن تكون منهم"[2].

-"يا علي الحوّات، يا زوجي العزيز، وياسيدي ومولاي. هل لي أن أسألك، لم لا تترك أمر القصر والسّلطان جانبا، مثلما فعل أهل قريتك، ويفعل أهل القرى السّبع."[3]

3-وظيفة انتهاك التحريم أو المنع: تتجلّى هذه الوظيفة من خلال التحدّي الّذي رفعه "علي الحوّات" في اتّخاذه قرار الرّحيل والمغادرة لجلب الخير والسّلام للجميع، فهو مصمّم على المغادرة ولا يعبأ بردّ فعل سكان قريته الّذين يقفون ضدّ رغبته، الّتي يرونها ضربا من الخيال. " نعم فهمت، وذاك ما أنا فاعل. إلى اللّقاء يا أهل قريتي العزيزة. أحبكم، أحب قريتي، أحبّ إخوتي أحبّ جلالته أحبّ جميع الناس."[4]

11-انطلاق ورحيل البطل: يغادر علي الحوات منزله قافلا نحو القصر، من أجل أداء المهمة.

14-وظيفة امتلاك البطل للأداة السّحرية: يمتلك البطل "علي الحوّات" أداة سحريّة (السّمكة) تساعده في مقارعة الأعداء ومقاومتهم والهروب منهم، بل وينتصر عليهم في غالب الأحيان."راحت السّمكة تقفز صارخة، تضرب هذا وتلطم ذاك. انهزم الأعداء وولّوا هاربين، ومرّ عليّ الحوّات بسلام."[5]

16-وظيفة صراع: إنّ رغبة "علي الحوّات" في الوصول إلى القصر ولقاء جلالة الملك أرغمه على خوض طريق محفوفة بالمخاطر ومصارعة الأعداء الّذين اعترضوا سبيله ليمنعوه من الوصول إلى القصر وملاقاة الملك.

17-وظيفة علامة: تتجلّى هذه الوظيفة من خلال الضّرر الّذي يلحق بالبطل بعد خوضه معارك الصّراع والمقاومة ضدّ الأعداء، غير أنّ هذا الضّرر الّذي يلحق به لا يكون في البداية، وإنّما يكون بعد مغامرات متكرّرة ومتواصلة، حتّى لا يتوانى في أداء الفعل وإنجازه.

   وفي رواية (الحوّات والقصر) يتعرّض البطل "علي الحوّات" إلى الإساءة والضّرر، فقد قطعت يده اليمنى ثمّ اليسرى ثمّ لسانه.  ولعل قطع اليدين هنا يدلّ على إخماد الفعل وكبته، أمّا قطع اللّسان فيعني منعه من الإعلان عن الحقيقة ونشرها بين الناس.

-"وا حزناه، وا حزناه. لقد قطعوا يده اليمنى حتّى المرافق."[6]

-"استيقظ علي الحوّات، على الضّجيج، وعلى الألم في ذراعه اليسرى."[7]

-" وكيف تريدهم أن يحرموه من الحديث إن لم يقصّوا لسانه."[8]

18-وظيفة الانتصار: لم ينل هذا الضّرر وهذه الإساءة الّتي تعرّض لها "علي الحوّات" من عزيمته وإسراره على مواصلة طلب الفعل وإنجازه، فرغم ما حصل له إلا أنّه يصرّ في كلّ مرّة على العودة  إلى القصر." أشعر أنني تضخّمت سبع مرّات. ولم أبق علي الحوّات القديم."[9]. وبذلك ينتصر على أعدائه ويهزمهم.

19-وظيفة إصلاح الافتقار أو الضرر: في الأخير يتوصّل "علي الحوّات" إلى إصلاح الافتقار الحاصل، وإلى  إدراك غايته وهي الوصول إلى جلالة الملك، وهزم أعدائه الّذين حاولوا منعه من تبليغ فكرته."المهم أكثر من أيّ شيء، أنّ الحقيقة تجلّت، وأنّ أعداء علي الحوّات لم يستطيعوا أن يمنعوه من التّعبير عن الخير الّذي جاء يسم العصر به."[10]

 

 



[1]: الطّاهر وطّار، الحوّات والقصر، دار البعث للطّباعة والنّشر، قسنطينة، ط1، الجزائر، 1980، ص: 41.

[2]: المرجع نفسه، ص: 156، 157. 

[3]: المرجع نفسه، ص: 160.

[4]: المرجع نفسه، ص: 38.

[5]: المرجع السابق، ص: 59.

[6]: المرجع نفسه ، ص: 134.

[7]: المرجع نفسه، ص: 227.

[8]: المرجع نفسه، ص: 243.

[9]: المرجع نفسه، ص: 161.

[10]: المرجع نفسه، ص: 268.


Last modified: Monday, 11 March 2024, 1:45 PM