النقد السيميائي

1-مفهوم السيميائيات: La sémiotique

   هي علم يعنى بدراسة العلامات اللسانية (اللغوية) وغير اللسانية، وبذلك فهي تبنى على العلامات أو الإشارات وتركز على ثنائية الدال والمدلول، ولها علاقة بالبنيوية؛ لأنها تتعامل مع العناصر الداخلية للبنية، فالسيميائيات لا تتوقف عند حدود البنية وإنما تسعى إلى الكشف عن كيفية تشكل هذه العناصر من أجل إنتاج المعنى والدلالة؛ أي إنها تسعى إلى تجسيد شكل للمعنى، في محاولة للإجابة عن السؤال الآتي: كيف يتشكل المعنى في النصوص الأدبية، وفي مختلف الظواهر الثقافية؟. من هذا المنطلق يكون هدف السيميائيات البحث عن كيفية تشكل المعنى، لا المعنى في حد ذاته، في مختلف النصوص الأدبية (السردية، الشعرية، المسرحية) وفي مختلف الخطابات الصورية والإشهارية  والسينمائية...إلخ. وفي مختلف مظاهر الحياة الإنسانية. 

2-رباعية أبي حامد الغزالي:

   يمكن فهم النظرية السيميائية بالاعتماد على التصور الرباعي الذي حدده أبو حامد الغزالي في كتابه "معيار العلم في المنطق"، حيث يرى أن للشيء وجودا في الأعيان، ثم في الأذهان، ثم في الألفاظ، ثم في الكتابة. (معيار العلم، ص: 47). 

1-في حالة النشوء يتشكل لدينا: الوجود العيني (يتحول أو يحيل إلى) وجود ذهني (يتحول أو يحيل إلى) وجود لفظي (يتحول أو يحيل إلى) وجود كتابي.

2-في حالة الاستقبال: وجود كتابي/ وجود لفظي/ وجود عيني/ وجود ذهني

-مثال ذلك: كلمة شجرة:

-نكتب على السبورة كلمة شجرة: ش، ج، ر، ة (وجود كتابي)

-تتحول إلى وجود لفظي: شجرة.

-تتحول إلى وجود عيني

-تتحول إلى وجود ذهني؛ لأنه يوجد في ذهن كل منا شجرة ما حسب الأثر النفسي، فهناك شجرة أقرب إلى الذهن ستحضر بالضرورة، مثل: شجرة الأرز في لبنان، النخلة في الصحراء الجزائرية، المانجو في مصر، الغرقد عند اليهود، الزيتون في فلسطين، الشجرة بمفهوم آخر وهو: الأصل والنسب، الأرض....إلخ.  

  وقد تزداد المسألة غموضا وتعقيدا مع بعض الكلمات الأخرى كلفظة السعادة مثلا التي تختلف معانيها عن معاني كلمة الشجرة، لأن السعادة لها وجود كتابي ووجود لفظي ووجود ذهني لكنه فرداني وليس جمعيا، ذلك لأنه في ذهن كل واحد منا معنى خاص به للسعادة، لأنه لا يوجد لها وجود عيني يحال إليه بما أنه عيني. وكل واحد منا –كذلك- يعرف السعادة والحرية بما هو مفقود عنده، وبالتالي يصير معناها حرا متحولا متحركا متبدلا.                     بناء على ذلك تتأسس السيميائيات بوصفها علما للعلامات سواء كانت مفردات أو كلمات أو مظاهر لغوية وغير لغوية (إشارات، رموز، ألوان، تسريحة شعر، رائحة البخور، العطر، الإشهار، الصورة، الرسم الكاريكاتوري....كل

ذلك يشكل لغة يعرفها أبو حامد الغزالي بأنها: "صوت دال بتواطؤ".(معيار العلم، ص: 50). 

   بناء على ذلك وإذا كانت اللغة هي الوسيلة الأساسية التي نمتلكها من أجل التواصل والتفكير والتعلم؛ فإنه يجب علينا أن ننطلق من مسلمة التشكيك في هذه الوسيلة أو الأداة التي نستعملها وليس المقصود بالتشكيك هنا الرفض وإنما التفكير في اللغة ومعرفة كيفية اشتغالها كي نصل إلى إدراك الحقائق؛ لأن اللغة تكذب تخادع تراوغ وتخاتل وتضلل وتختصر وتكثف وتقلص وتختزل ولا تقول كل شيء بطريقة مباشرة، وأحيانا تخفي وتحجب عنا الحقائق وتضمرها، لذلك فالمنطلق الأساسي هو معرفة وإدراك طريقة اشتغال هذا الذي نستعمله (اللغة) في التفكير والتواصل لأنها الأداة الوحيدة لذلك الموجودة في الكون:(العلامات/ الكلمات). فاللغة بوصفها نظاما من العلامات (الكلمات) هي الشاشة التي نطل من خلالها على العالم الخارجي، وبالتالي فاللغة لا تنقل التجربة الواقعية فقط وإنما تفعل أكثر من ذلك؛ لأنها تجعل الشجرة مثلا وعاء لدلالات أخرى ما يجعل التجربة في الرمز واللغة أوسع بكثير من الحقائق الموجودة في العالم الخارجي، لذلك نقول: الشمس أو القمر في السماء واحد لكنه في اللغة متعدد، ولعل قيمة الشمس أو القمر في اللغة أكبر بكثير من قيمتهما في السماء العالية.

3-تصور سوسير(1857-1913): Ferdinand de Saussure

   صورة سمعية يقابلها مفهوم نفسي، وأن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية، وبهذا فهو يقصي المرجع الخارجي.  (مثلا صورة الشجرة في الذهن تتحدد من خلال الأثر النفسي الحاصل لدى كل واحد منا).

4-تصور أوغدن (1889–1957)  وريتشاردز(1893–1979): OgdanوRichard

  لا يقصيان المرجع، وتحديدهما للعلامة ثلاثي، وهو يقترب من التحديد الذي وضعه الغزالي.

                                 الفكرة (الصورة الذهنية/ المفهوم/ المدلول

 

 


                                référent المرجع               الرمز symbol

 5-تصور بيرس (1839-1914): Charles Sanders Peirce

    يعرف بيسرس العلامة بأنها: "شيء ما، يوجه لشخص ما، لينوب عن شيء ما، من وجهة ما".

هذه العلامة V توجه لكم (الطلبة) هذا الشيء وهو هذه الإشارة أو العلامة التي وضعتها بأصابعي تنوب عن دلالة الانتصار، من وجهة أن هذه العلامة رمزية اصطلاحية تم الاصطلاح عليها بين الشعوب.

  أما تقسيم العلامة عنده فهو وإن كان يقر بالتحديد الثنائي الذي جاء به سوسير (دال ومدلول) إلا أنه يختلف معه في العلاقة بين الدال والمدلول، وذهب إلى تقسيم العلامات إلى ثلاث علامات: أيقونية وإشارية ورمزية:

-العلامة الأيقونية: الدال فيها يشبه المدلول؛ أي بين الدال والمدلول علاقة تشابه وتطابق ومثال ذلك الصورة الفوتوغرافية (هذه الصورة الدال لفلان وهو المدلول).

 -العلامة الإشارية: الدال يشير إلى المدلول، والعلاقة هنا إما أن تكون طبيعية سببية مثل الدخان والنار (دال ومدلول) العلاقة بين الدخان والنار سببية. وإما أن تكون علاقة تجاور مكاني مثلا: مثل الأسهم التي تشير إلى الأمكنة.             

-العلامة الرمزية: الدال فيها يرمز إلى المدلول، والعلاقة هنا تعاقدية عرفية واصطلاحية، مثل علامة النصر المذكورة. ومثالها كذلك إشارات الصم البكم وعلامات المرور...إلخ.

 

 السيميائيات السردية عند غريماس

1-البنية السطحية: النموذج العاملي

قام "غريماس" باختزال وظائف فلاديمير بروب الإحدى والثلاثين التي استنبطها من دراسته لمورفولوجية الحكاية الشعبية الروسية، إلى ست وظائف أساسية يلخصها المخطط الآتي:

   المرسل

 الموضوع

   المرسل إليه

 


   الفاعل

    المعارض

  المساعد

 

-تحليل سيميائي لنص الحمامة المطوقة لابن المقفع:

  لتحليل هذا النص (الحمامة المطوقة) آثرنا استدعاء بعض الإجراءات التحليلية التي اقترحها "غريماس" ضمن مشروعه الضخم في التحليل السيميائي للخطاب السردي، ومنها النموذج العاملي الذي تناوله ضمن ما أسماه بالبنية السطحية، والمربع السيميائي الذي درسه في إطار تناوله للبينة العميقة، وذلك رغبة منا في تطويع هذه الإجراءات النقدية الغربية، وجعلها متجاوبة مع خصوصيات هذا النص السردي التراثي.

-ملخص النص:

-صياد قبيح المنظر سيئ الخلق ينصب شبكته في الغابة فيقع سرب الحمام في الشرك.

-تحاول المطوقة وكانت سيدة الحمام النجاة والخلاص من شرك الصياد، فتشير على أخواتها من أجل التعاون على قلع الشبكة والتحليق في الجو بعيدا عن الصياد الذي بقي يتابعهن بنظره. 

-حكمة المطوقة وتوجيهها للسرب نحو العمران حتى يخفى أمرهن على الصياد الذي يئس في طلبهن.

-وصول المطوقة وصويحباتها إلى صديقها الجرذ الذي تمكن من قرض الشبكة وخلصهن جميعا. 

وفي نص الحكاية التي بين أيدينا يمكن أن يتجسد بناء النموذج العاملي كالآتي:

           المرسل                   الموضوع                     المرسل إليه 

   القيد ومحاولة الحصول على الحرية          الخلاص والحرية                  المطوقة وسرب الحمام

 

    العوامل المساعدة                 الفاعل                     العوامل المعارضة

 الحيلة/ الحكمة/ الجرذ                   المطوقة/سائر الحمام               الصياد/الخوف والاضطراب

 

2-البنية العميقة:

   يمكن تجسيد ما تم التوصل إليه في مستوى البنية السطحية من خلال بعض العلاقات التي يتيحها المربع السيميائي، حيث تفضي هذه العلاقات وتقود إلى الكشف عن الأبعاد الدلالية العميقة للنص. فإذا كانت البنية السطحية تجسيدا مرئيا ظاهريا للنص؛ فإن البنية العميقة متمثلة في المربع السيميائي تمثل الوجه الثاني الباطني وغير المرئي له، وفي نص الحمامة المطوقة يمكن أن تبرز قيمتان جوهريتان تتعلق الأولى بالحرية والخلاص وتتمثل الثانية في القيد والسجن، كما يمكن أن تظهر جملة من القيم التي يمكن إنتاجها من منطلق سلسلة الاختلافات والتضادات والتناقضات الموجودة في النص (الظلم، الاستبداد، التسلط، العدالة، الخير، الشر...)

 

القيد والسجن

 

الحرية والخلاص

 
  
Zone de Texte: تضمـــــن

Zone de Texte: تضمـــــنZone de Texte: تضمـــــن

,Zone de Texte: تضمـــــن

تضــــاد

 

 

 


                                             

      تنــــــــــــــاقض

 

 

 

 

لا حرية/ لا خلاص

 

 

 

 

 

لا قيد/ لا سجن              

 

تضــــاد  

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


نص الحكاية:   الحمامة المطوّقة

    قال دَبَشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت مَثَلَ المتحابَينِ كيف قطع بينهما الكذوبُ، وإلى ماذا صار عاقبة أمره من بعد ذلك. فحدِّثني إن رأيت عن إخوان الصَّفاء كيف يبتدئ تواصلهم ويستمتع بعضهم ببعض.

   قال الفيلسوف: إن العاقل لا يَعدل بالإخوان شيئا. فالإخوان هم الأعوان على الخير كلِّه والمؤاسون عندما ينوب من المكروه. ومن أمثال ذلك مَثَلُ الحمامة المطوّقة والجرذ والظبي والغراب.

   قال الملك: وكيف كان ذلك؟   

   قال بَيْدَبَا: زعموا أنه كان بأرض سكَاوَندَجين عند مدينة داهَر، مكان كثيرُ الصيد، ينتابه الصيادون، وكان في ذلك المكان شجرة كثيرةُ الأغصان ملتفةُ الورق، فيها وكر غراب، فبينما هو ذاتَ يوم ساقطٌ في وكره إذ بَصُر بصياد قبيح المنظر، سيئ الخلق، على عاتقه شبكة، وفي يده عصا، مقبلا نحو الشجرة، فذُعِرَ منه الغراب، وقال : لقد ساق هذا الرجل إلى هذا المكان: إما حيني وإما حين غيري. فلأَثبُتَنَ مكاني حتى أنظر ماذا يصنع. ثم إن الصياد نصب شبكته، ونثر عليها الحب، وكَمَنَ قريبا منها، فلم يلبث إلا قليلا، حتى مرَّت به حمامة يقال لها المطوَّقة، وكانت سيدةَ الحمام، ومعها حمام كثير، فعميت هي وصاحباتها عن الشرَك، فوقعْن على الحَبِّ يلتقطنه، فعلِقن في الشبكة كلُّهُن، وأقبل الصياد فرحا مسرورا. فجعلت كل حمامة تتلجلج في حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها. قالت المطوَّقة: لا تتخاذلن في المعالجة، ولا تكن نفس إحداكن أهمَّ إليها من نفس صاحبتها. ولكن نتعاون جميعُنا، ونطير كطائر واحد فينجو بعضنا ببعض. فجمعن أنفسهن ووثبن وثبة واحدة فقلعن الشبكة جميعُهن بتعاونهن، وعلوْن في الجو. ولم يقطع الصياد رجاءه منهن وظن أنهن لا يُجاوزن إلا قريبا ويقعن. فقال الغراب: لأتَبِعُهُنَّ وأنظر ما يكون منهن. فالتفتت المطوقة فرأت الصيادَ يتبَعُهُن، فقالت للحمام: هذا الصياد جادٌ في طلبكن، فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخْف عليه أمرنا، ولم يزل يتبعنا، وإن نحن توجهنا إلى العُمران خفي عليه أمرنا، وانصرف. وبمكان كذا جُرَذٌ هو لي أخ، فلو انتهينا إليه قطع عنا هذا الشَّرَك. ففعلن ذلك وأيس الصياد منهن وانصرف. وتبعهن الغراب لينظر إليهن لعله يتعلم منهن حيلة تكون له عدّةً عند الحاجة. فلما انتهت الحمامة المطوقة إلى الجُرَذ، أمرت الحمام أن يقعن فوقعن. وكان للجُرَذِ مئة جحر للمخاوف. فنادته المطوقة باسمه، وكان اسمه زَيْرَك، فأجابها الجرذ من جحره: من أنت؟ قالت: أنا خليلتك المطوقة. فأقبل إليها الجرذ يسعى، فقال لها: ما أوقعك في هذه الورطة ؟ قالت له: ألم تعلم أنه ليس من الخير والشر شيء  إلا وهو مقدر على من تصيبُه المقادير، وهي التي أوقعتني في هذه الورطة. فقد لا يمتنع من القدر من هو أقوى مني وأعظمُ أمرا، وقد تنكسف الشمس وينخسف القمر إذ قُضي ذلك عليهما. ثم إن الجرذ أخذ في قرض العِقد الذي فيه المطوقة، فقالت له المطوقة: ابدأْ بقطع عِقد سائر الحمام، وبعد ذلك أَقبِلْ على عِقدي، وأعادت ذلك عليه مرارا، وهو لا يلتفت إلى قولها، فلما أكثرت عليه القول وكررت، قال لها: لقد كررتِ القول علي كأنكِ ليس لك في نفسك حاجةٌ، ولا لك عليها شفقةٌ، ولا ترعيْن لها حقا. قالت إني أخاف، إن أنت بدأت بقطع عِقدي أن تملَّ وتكسل عن قطع ما بقي، وعرفتُ أنك إن بدأت بهِنَّ قبلي، وكنتُ أنا الأخيرة، لم ترْضَ، وإن أدركك الفتور، أن أبقى في الشَّرَك، قال الجرذ: هذا مما يزيد الرغبةَ فيك والمودةَ لك. ثم إن الجرذ أخذ في قرض الشبكة حتى فرَغ منها، فانطلقت المطوقة وحمامها معها.  (آثار ابن المقفع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1989، ص. 140).

 

 

 

 

 

 


Modifié le: lundi 11 mars 2024, 13:45