الدرس 10: النقد الأسلوبي
التحليل الأسلوبي
مرثية بكر بن حماد التيهرتي في ابنه عبد الرحمان
بكيت
على الأحبة إذ تولوا و لو أني
هلكت بكوا عليــَّا
فيا نسلي
بقاؤك كان ذخرا وفقدك قد كوى
الأكباد كيــّا
كفى حزنا بأنني منك خلو وأنك ميت وبقيت حيــــَّا
دعوتك
بابنيَّ فلم تجبني فكانت دعوتي يأسًا علـــيـَّا
ولم أكُ
آيسًا فيئست لمـَّا رميت
الترب فوقك من يديــَّا
فليت
الخلق إذ خلقوا أطالوا و ليتك لم
تكُ يا بكر شيــــَّا
تسرُّ
بأشهرٍ تمر سـراعـًا وتطوي في
لياليــهن طيـــَّا
فلا تفرح
بدنيا ليس تبقــى ولا تأسف
عليهـا يا بـنـيـــَّا
فقد قطع
البقاء غروب شمس ومطلعها عليَّ يــا أخـــيَّــا
وليس الهم
يجلوه نهـار تدور له الفراقد
والثريَّــــــا
الأسئلة:
-ما الكلمات الدالة على الحزن في القصيدة؟
-اذكر الأصوات المتكررة في القصيدة مع تحديد مخارجها وصفاتها.
-بين البحر الشعري الذي اختاره الشاعر لنظم قصيدته، مع تحديد دلالة هذا الاختيار.
-ما نوع الجملة المستعملة بكثرة في القصيدة؟ وما دلالة هذا الاستعمال؟
-حدد الحقل الدلالي الطاغي في النص.
1-مبادئ التحليل الأسلوبي:
ينطلق الأسلوبيون في تحليل النص الأدبي من ثلاثة مبادئ أساسية تشكل المنهج الأسلوبي، وهي: مبدأ الاختيار، ومبدأ التركيب، ومبدأ الانزياح. ذلك لأن الأديب المبدع يلجأ أولا إلى اختيار المعجم والمفردات المناسبة لموضوعه، ثم يقوم بتركيبها في نظام لغوي معين، مستعملا الانزياحات التي تضفي على خطابه الأدبي غموضا جماليا.
2-تحليل القصيدة:
3-مستويات التحليل الأسلوبي:
3-1-المستوى الصوتي:
تترد بعض الأصوات في القصيدة دون غيرها، ومنها حرف الياء الذي ورد 36 مرة واللام 33 مرة والواو 26 مرة والتاء 24 مرة والكاف 19 مرة، وهذه الحروف تتنوع في مخارجها وصفاتها بين حلقي ومجهور ومهموس وشفوي، وإن كانت الحروف المجهوردة أكثر ورودا واستعمالا في القصيدة. فالصوت المهموس مثلا يتلاءم مع نفسية الشاعر المكلومة والوحيدة، لأنه حينما لم يجد من يبثه حزنه وفجيعته همس لنفسه بآهاته وآلامه. كما تتردد في النص الحروف الشفوية بشكل واضح وهي الفاء والباء والواو، خدمة لهذا المشهد الحزين المنتشر في كامل القصيدة، ومما يدعمها في تصوير هذا المشهد استعماله للمقاطع الطويلة (//0) كونها تساعد على مد الصوت وتعبر عن معاناته الشديدة وتألمه الطويل وأناته البطيئة.
أما بالنسبة للوزن والإيقاع فقد اختار الشاعر نظم قصيدته وفق بحر الوافر الذي استعمل كثيرا في المراثي الشعرية العربية القديمة، فقد نظمت فيه الخنساء سينيتها في رثاء أخيها صخر، ونظم فيه المهلهل رائيته في رثاء أخيه كليب، وتفعيلاته هي: مفاعلتن مفاعلتن فعولن
يقول سليمان البستاني في بحر الوافر: "والوافر ألين البحور يشتد إذا شددته ويرق إذا رققته...وفيه تجود المراثي". أما بالنسبة للقافية، فقد اختار الشاعر قافية مناسبة لمقام الحزن والتأثر وهي قافية مطلقة تساعد على تصوير نفسيته الجريحة. ولعل ما يدعم ذلك هو مجيء حرف الروي (الياء) مناسبا كذلك، فهي متحركة وموصولة بألف مد (يا) مخرجها من أقصى الحلق، حيث لا ينقطع مخرجها حتى تنتهي إلى الفم بانقطاع الهواء، ودون أن تعترضه عوائق، مما يدل دلالة واضحة على شدة معاناته، ويعبر عن زفراته وآلامه وفجيعته وصرخاته المدوية، ولذلك جاء اختيار القافية والروي في القصيدة مناسبا وملائما.
3-2-المستوى التركيبي:
إذا نظرنا إلى نوع الجمل المستعملة في القصيدة، نجد أغلبها جمل فعلية تنوعت بين الماضي والحاضر، وللجملة الفعلية دلالة لا تخفى على أحد في العربية، وهي التغير والتبدل والتحول وعدم الثبات والاستقرار، فالشاعر صور لنا ما ألم به في مصيبته التي غيرت مجرى حياته كلية، وهو ما تجسده الأفعال المضارعة، بعدما كان ينعم بعلاقته مع ابنه وفلذة كبده، وهو ما تصوره الأفعال الماضية التي افتتحت بها هذه القصيدة (بكيت)، ومن هذه الأفعال الماضية نذكر: (بكى، دعا، كوى، كفى، رمى، طوى بقي جلا..)، والملاحظ عليها أنها كلها أفعال ماضية معتلة، ولعل في هذا الاختيار دلالة على العلة التي أصابت الشاعر والحزن الذي خيم عليه بفقدانه لابنه.
ومن الجمل الاسمية نذكر جملة (بقاؤك كان ذخرا)، وفيها يتقدم المبتدأ على الخبر الذي جاء جملة تحتوي على فعل ماض ناقص وأجوف، مما يدل على النقص الذي يعانيه الشاعر، كما أن تقدم المبتدأ بقاؤك؛ لأنه كان يتمنى لو بقي ابنه إلى جانبه، لكن هيهات هيهات أن يتحقق ذلك، بعد الموت الحتمي والمقدر على جميع المخلوقات، وهو ما يعبر عنه من خلال الجملة الاسمية في الشطر الثاني (وفقدك قد كوى الأكباد كيا)، التي جاء فيها الخبر جملة فعلية متكونة من حرف التحقيق الذي يسبق الفعل الماضي (قد كوى) ليدل على تحقق خبر الموت والفقدان، وأن كبده تكوى ويتكرر لها هذا الفعل ويتجدد.
ومن الجمل المستعملة أيضا، جملة النداء، التي وردت لأول مرة في البيت الثاني: فيا نسلي...إذ تتمدد هذه الجملة وتتوسع مع القصيدة مصعدة من الانفعال فيها، ومن مجال الشاعر العاطفي، الذي جاء مفعما بالمرارة والأسى.
كما تحضر الجمل الخبرية في القصيدة بشكل كبير مقارنة بالجمل الإنشائية، وهذا لأن الشاعر في مجال تصوير عالمه المتغير من حالة الفرح إلى حالة الحزن، من السعادة إلى الأسى، فهي لحظات متعاقبة ومتغيرة، يلزم الإخبار عن تبدلاتها وتحولاتها المستمرة، في حين وردت الجمل الإنشائية في صيغة التمني في البيت الخامس والنهي في البيت السابع.
3-3-المستوى الدلالي:
استعمل الشاعر أكثر الألفاظ دلالة على الانفعال والحزن والأسى والحسرة، فهي ألفاظ محكمة دلاليا على ما يقصده الشاعر، فعبرت عن معاناته وألمه في كل أبيات القصيدة (بكيت، تولوا، هلكت، بكوا، فقدك، كوى...)، والتي توحي للمتلقي بالإحساسات المأساوية التي هيمنت وخيمت على الشاعر، وبالأجواء النفسية الحزينة والعليلة. أما السهولة فتكمن في عدم تنافر حروف ألفاظ هذه القصيدة، وفي يسر نطقها على اللسان وعذوبة وقعها على الأذن وهو ما يصور لنا تجربة الشاعر المرة والحزينة.
المصادر والمراجع:
-محمد بن رمضان شاوش، الدر الوقاد من شعر بكر بن حماد،المطبعة العلوية، مستغانم، الجزائر، ط1، 1385هـ، 1966.
-ناصر بوصوري، مقاربة أسلوبية لمرثية بكر بن حماد التاهرتي، مجلة الأثر، العدد25، جامعة ورقلة، جوان، 2016.
-هاجر بن شريف، أدوات التعبير الشعري لدى بكر بن حماد التيهرتي - مقاربة أسلوبية- لرثائية ابنه عبد الرحمن، مجلة المخبر، العدد 14، جامعة بسكرة، 2018.