المحور 05: التكتلات الاقتصادية الدولية

التكامــــــــــــل الإقـتــــــــــــصادي

يستمد التكامل الاقتصادي أهميته من فكرة التخصص وتقسيم العمل الدولي الذي نادت به المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد منذ القرن 19 ( نظرية المزايا المطلقة لادم سميث، ونظرية المزايا النسبية لديفيد ريكاردو). فالدول مهما كانت قوتها ومواردها إلا أنها تعاني من ندرة نسبية من أحد عناصر الانتاج الأساسية ( رأس المال/ المادة الأولية/ اليد العاملة). وبالتالي سوف تحتاج إلى ضمانه من طرف الدول الأخرى. وهو ما يؤدي في النهاية إلى قيام الصراعات بين الدول على الموارد. بالتالي، وحسب النظرية الليبيراية، لتجنب الصراع، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد، يجب خلق حلقة من الإعتماد المتبادل بين الدول. تتطور هذه الحلقة إلى غاية الوصول إلى مرحلة التكامل الإقتصادي أين ترفع القيود أمام تدفق عناصر الإنتاج بين أطراف التكامل.

مفهوم التكـــــــــــــــــــــامل الإقتــــــــــــــصادي

لغة: من الفعل أكمل، والذي يعني: أضاف شيئا ينقص طرفا اخر، والتكامل هو الجمع بين أشياء مختلفة يكمل بعضها بعضا، وتتعاون في الوصول إلى غرض واحد.

اصطلاحا:

تعرفه الموسوعة البريطانية Britannica بـ: مسار تقوم من خلاله دولتين أو أكثر، في منطقة جغرافية معينة، بتقليص حزمة من العراقيل التجارية، لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية.

يعرفه إسماعيل صبري مقلد بأنه العملية التي ينتج عنها كيان فوق قومي تنتقل إليه مسؤولية أداء الوظائف الإقتصادية التي كانت تتحملها الحكومات الوطنية. كما أن هذا الكيان الجديد والموسع يصبح بمثابة النواة المركزية التي تستقطب مختلف الولاءات أو الأنشطة السياسية للأطراف القومية التي أنجزته. وهو بأجهزته ومؤسساته يستطيع أن يمد سلطاته إليها.

بصفة عامة، التكامل الاقتصادي هو مسار وعملية مرحلية طوعية، تمر عبر خطوات، كل خطوة تتضمن مجموعة من الشروط الاقتصادية والسياسية اللازم تحقيقها قصد المرور إلى المرحلة الموالية. والتي تهدف في مجملها إلى رفع القيود والعراقيل أمام انسيابية التجارة والاستثمارات بين أطراف التكامل. قصد الوصول إلى سوق موحدة بين جميع الأطراف. 

من الناحية السياسية، يعبر التكامل الاقتصادي في الفكر الليبيرالي، عن حالة ما بعد وستفالية، تتضاءل فيها سلطة الدولة تدريجيا لصالح مؤسسات التكامل الفوق قومية.

قد يستخدم مصطلحي التكامل والتكتل كمترادفين، إلا أن التكامل أعمق من التكتل، إذ أن التكتل في معناه الصحيح هو عبارة عن اتحاد محدود في الزمان والمجال والأهداف ( مثلا التكتل الدولي لمكافحة الإرهاب ) حيث يغيب فيه عنصري المؤسسية والديمومة، عكس التكامل الذي هو إطار مؤسسي منظم ودائم ومتعدد المجالات حسب المرحلة التي وصل إليها.

أما الإندماج فيمكن اعتباره كمرحلة متقدمة جدا من التكامل ( المستوى الأعلى للتكامل). حيث تتوحد فيه السياسات والمؤسسات بين جميع الأطراف.

دوافــــــــــــــع التكامــــــــــــــــــــــل

انتشرت فكرة التكامل الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لادراك الدول بمدى الخطر الذي أصبحت تشكله الحرب على مستقبل الدول والشعوب ( انتقال الحرب من النطاق المحدود إلى العالمي) وكذلك دخول العالم في مرحلة سباق التسلح النووي الذي يهدد حرفيا بقاء البشرية ( سيناريو يوم القيامة Doomsday Scenario )، هذا من جهة. ومن جهة، تزعم الولايات المتحدة الأمريكية للنظام الدولي وتبنيها نشر الفكر الليبيرالي ( المؤسسية والإعتماد المتبادل)، و نمط الإقتصاد الرأسمالي ( التخصص وتقسيم العمل وحرية التجارة الدولية ) . وهو ما شجع على فتح الحدود بين الدول.

باختصار يمكن تحديد دوافع التكامل في:

-       دوافع اقتصادية: تجميع القدرات الاقتصادية بين الدول الأعضاء في التكامل، ورفع القيود أمام انسيابية حركة عناصر الإنتاج، وتشجيع التجارة الدولية. كل هذا من شأنه الإسهام في زيادة معدلات النمو والتنمية بين الدول.

-       دوافع سياسية وأمنية: تحقيق التكامل يساهم في نشر السلم والأمن، وتحقيق الاستقرار، بالاعتماد على التسوية السلمية للمنازعات في إطار مؤسسات موحدة. وكذلك مشاركة الخبرات والقدرات لمواجهة التهديدات الأمنية المختلفة.

مستويات التكامل الاقتصادي

يمكن تحديد مستويات التكامل الإقتصادي في الجدول الذي وضعه المفكر الاقتصادي بيلا بالاسا Bela Balassa:

 

إلغاء الرسوم الجمركية

توحيد الرسوم الجمركية

حرية انتقال عناصر الإنتاج

تنسيق السياسات الإقتصادية

توحيد السياسات والمؤسسات

منطقة التجارة الحرة

+

 

 

 

 

الاتحاد الجمركي

+

+

 

 

 

السوق المشتركة

+

+

+

 

 

الاتحاد الاقتصادي

+

+

+

+

 

التكامل الاقتصادي الشامل

+

+

+

+

+

جدول بيلا بالاسا* Bela Balassa لمستويات التكامل الإقتصادي

 

1/ منطقة التجارة الحرة Free Trade Area: تعتبر بداية المسار التكاملي الفعلي، يتفق فيها أعضاء المشروع التكاملي على إلغاء التعريفات الجمركية على السلع التجارية فيما بينهم.

2/ الإتحاد الجمركي Customs union: في هذه المرحلة تتفق الدول على توحيد الرسوم الجمركية تجاه الدول الخارجة عن التكامل ( في المرحلة السابقة (منطقة التجارة الحرة) تكون كل دولة حرة في تعاملها التجاري مع الدول الخارجة عن التكامل).

3/ السوق المشتركة Common Market: تتفق الدول في هذه المرحلة على رفع القيود أمام تحرك كافة وسائل الإنتاج ( رأس المال، المواد الأولية، اليد العاملة ).

4/ الإتحاد الإقتصادي Economic Union: تتفق الدول على التنسيق فيما بينها حول السياسات الإقتصادية والقوانين التنظيمية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية (مثل الضرائب، دعم بعض القطاعات الإنتاجية). بمعنى أن أي دولة في تعاملها مع منتجيها المحليين، من واجبها التنسيق مع باقي الدول، حتى يكون هناك عدالة في المنافسة.

5/ التكامل الإقتصادي الشامل Total Economic Integration: في هذا المستوى تقوم الدول بإنشاء مؤسسات فوق قومية مشتركة تتولى رسم السياسات ووضع القوانين وتنفيذها. مثل بنك موحد أو برلمان موحد أو محكمة موحدة..الخ. وكذلك اعتماد عملة نقدية موحدة.

ملاحظة: كل مستوى من المستويات السابقة يشمل الخصائص المتعلقة به، بالإضافة إلى خصائص المستويات التي سبقته. مثلا خصائص مستوى التكامل الاقتصادي الشامل هي: توحيد السياسات والمؤسسات وتنسيق السياسات، وحرية انتقال عناصر الانتاج، وتوحيد القيود الجمركية، وإلغاء الرسوم الجمركية فيما بين الدول الأعضاء.

 

 


Modifié le: samedi 1 juin 2024, 17:23